للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} (١) وأيضاً فيقال له: فهل يعاقبه الله على ما خلق في صدره من الزيادة والحرج في الكفر في الآخرة كما عاقبه في الدنيا بزيادة الحرج؟ فإن قال: لا يعاقبه عليه، فلا عقوبة هاهنا أيضاً، وإن قال: بل يعاقبه على تلك الزيادة كما يعاقبه على الكفر الذي خلقه الكافر بنفسه. قلنا: فقد وافقت أن الله عذب الكافر على ما خلق فيه فدخلت فيما أنكرت على خصمك.

وأما قول المخالف: إنما عاقبه بذلك (٢) ليكون أقرب إلى الانتقال عن الكفر الذي هو سبب ذلك الحرج، فإن هذا كلام متناقض يشهد على قائله بقلة التمييز، فكيف يكون خلق الله الكفر بصدر سبباً داعياً له لانتقال الكفر؟ هذا كقول القائل: خلق الله الحركة في المتحرك علة أو سبباً للسكون أو خلق السكون علة للتحرك، وكان اللائق بمذهب المخالف وتمويهه أن يقول خلق الله الإيمان بقلب الكافر ليكون أقرب له إلى الانتقال عن الكفر الذي خلقه الله بقلبه ولكن لم يقبله قلبه، ولو قال هذا، قلنا: لو خلق الله الإيمان في قلبه لانتفى عنه الكفر؛ لأنهما لا يجتمعان معاً (٣)، مع أنهم لا يقولون خلق شيئاً من أفعال العباد طاعة ومعصية، وإنما يقولون أراد وقوع الطاعة لا غير.

وأما استدلال المخالف على تأويله (٤) هذا بقوله تعالى: {كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} (٥).

فالجواب: أنه لا حجة له بأنه جعل عليهم الرجس بعد أن لم يؤمنوا، وما تنكر أن يقول خصمك: بل جعل الرجس على قلوبهم فمنعهم عن


(١) الملك آية (١٤).
(٢) في - ح- (على ذلك).
(٣) (معاً) ليست في - ح-.
(٤) وهو تأويل المخالف للضلال بأنه العقاب. انظر: ص ٢٧٥.
(٥) الأنعام آية (١٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>