للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجود الكفر من الكافر، قلنا لك: فقولك هذا يؤدي إلى أن الله خلق إرادته وأحدثها بعد أن (١) لم تكن، وهو سبحانه ليس بمحل لحوادث (٢)، ثم يقال له أراد تلك الإرادة بإرادة قبلها أم بغير إرادة؟ فإن قال: بل بغير إرادة – ولا يقول إن له إرادة بالجملة (٣) – قلنا: فيجوز وقوع الأفعال منه جميعاً وهو غير مريد لها فليس تقدم ما تقدم من الأشياء الحادثة بأولى من تأخرها، ومن قال: إن الله سبحانه خلق السموات والأرض ومن فيهن وهو غير مريد لخلقها أو لا إرادة له بخلقها يخرج من حيز العقلاء ويدخل في جملة البهائم والمجانين من بني آدم وقد سقط عنا جواب كلامهم فلا فائدة بالكلام معهم.

ثم نقول له مع ذلك: فهل بخلق الله الحرج في صدره ازداد كفره أو لم يزدد؟ فإن قالوا: لم يزدد، قلنا: فلا عقوبة إذاً، وإن قالوا: بل ازداد كفره، قلنا: فقد وافقت (٤) أن الله خلق الكفر في صدور الكفار وهو كقوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً} (٥) وقوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} (٦) وقد وجد الكفر في صدر الكافر، بعضه من خلق الكافر وبعضه من خلق الله، فهل يقدر الكافر على تمييز ما خلق في نفسه من الكفر عما خلقه الله فيه من الزيادة فيه؟ فإن ادعى مدّع أنه يقدر على ذلك ادعى البهت وعُلم خطؤه بذلك ضرورة، وإن قال: لا يقدر على ذلك ولا يقدر عليه إلا الله قلنا له: فهو الخالق للجميع بدليل قوله تعالى: {أَلا


(١) في الأصل (بعد لم) وما أثبت من - ح- وهو الصواب لاستقامة العبارة.
(٢) تقدم بيان معنى الحوادث ومراد المصنف فيها. ص ٢٦٥.
(٣) تقدم بيان معنى قول المعتزلة في الإرادة وأنهم ينكرونها ويزعمون أن الله مريد بإرادة محدثة لا في محل، وهذا ليس بإثبات للإرادة؛ لأن الصفة يجب أن تتعلق بالموصوف، وأما وصف الموصوف بصفة غير قائمة به فهذا باطل لا دليل عليه لا من الشرع ولا من العقل. انظر: ما تقدم ص ٢٥٥.
(٤) في - ح- (على أن).
(٥) البقرة آية (١٠).
(٦) الصف آية (٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>