للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما يبكون مثل أخي ولكني … لأعزر النفس عنه بالتأسي (١)

ثم قال المخالف: وأما قوله تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} فقد قيل: هو كالأول وتقدير الكلام وقرنا بهم في النار قرناء فزينوا لهم معصية الله (٢)، وهذا لا حجة فيه لأنه أورد ذلك مورد الذم للكفار وبين استحقاقهم للعقوبة على فعلهم، فلو كانت مخلوقة لله لما ذمهم عليها لوما عاقبهم عليها كما لا يحسن ذلك في ألوانهم.

والجواب: أن هذا من الكلام الغث الذي لا فائدة تحته ولا يساوي ما كتب فيه من بياض ومداد، والدليل على فساد قوله أن الله أخبر أن القرناء زينوا لهم: أي أحسنوا لهم العمل بالمعاصي {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم} أي فيما قد علموه وفيما يستقبلونه وزينوا لهم التكذيب بالبعث والنشور (٣) {وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} أي العذاب لذلك في أمم، فهذا لا يمكن حمله على أنهم زينوا في النار أعمالهم، لأن الله أخبر أنهم أعداء في النار بقوله: {الأخِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاّ الْمُتَّقِينَ} (٤) فأخبر أنهم يتكاذبون في النار ويختصمون قال الله تعالى: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ .. } إلى قوله تعالى: {قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} (٥)، فبطل أنهم يزينون لهم في النار. وقول المخالف: وقرنا بينهم قرنا (٦) تفسيراً لقوله: قيضنا، فغير صحيح،


(١) انظر: ديوان الخنساء ص ٨٤.
(٢) ذكر هذا القول القرطبي بصيغة التمريض (قيل) وكذلك ذكره الشوكاني ورجح أن نقيض القرناء إنما هو في الدنيا. انظر: تفسير القرطبي ١٥/ ٣٥٤، فتح القدير ٤/ ٥١٣.
(٣) هذا القول هو الذي ذكره ابن جرير ولم يذكر غيره، وهو الذي رجحه الشوكاني. انظر: تفسير ابن جرير ٢٤/ ١١١، فتح القدير ٤/ ٥١٣.
(٤) الزخرف آية (٦٧).
(٥) ق آية (٢٧ - ٢٨).
(٦) في - ح- (وقرناهم قرنا).

<<  <  ج: ص:  >  >>