للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{حَتَّى إِذَا جَاءَنَا} قد قرئ بالتثنية في ضمير الفاعلين (١) {قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ} فعبر عن قوله: حشرناهما وبعثناها، بأنهما جاء وهذا كقوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} (٢)، وكقوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} (٣). فلو كان ابتداء اتخاذ الشيطان إنما كان في النار لما جمع بينهما في المجيء، وأيضاً فإن خَلَقَ الله القرين معه ابتداءاً في النار، فكيف يعذب القرين على غير ذنب كان منه في الدنيا؟ وهذا لا يجيء على أصل القدرية (٤)، ولأنه قال: {فَبِئْسَ الْقَرِينُ} ومعناه فبئس القرين كنت في الدنيا.

والوجه الرابع: مما يدل على ما قلناه قوله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} (٥). فأخبر أنهم كانوا ظالمين في الدنيا، والمعنى ولن ينفعكم إذ ظلمتم الناس بأنكم في العذاب مشتركون، لأنكم مختلفون في العذاب (٦) لأن المبتلى في الدنيا إذا رأى من ابتلى بمثل بلائه تأسى به وسكن منه بعض ما هو فيه (٧)، قالت الخنساء (٨):

فلولا كثرة الباكين حولي … على إخوانهم لقتلت نفسي


(١) قرأ بالتثنية عامة قراء الحجاز سوى ابن محيصن والمعنى: حتى إذا جاءنا هذا الذي عشى عن ذكر الرحمن وقرينه، وقرأ بالتوحيد عامة قراء الكوفة والبصرة وابن محيض، والمعنى: حتى إذا جاءنا هذا الذي عشى من بني آدم عن ذكر الرحمن. انظر: تفسير ابن جرير ٢٥/ ٧٤.
(٢) الزمر آية (٧١).
(٣) الزمر آية (٧٣).
(٤) وأيضا هو لا يجيء على أصل أهل السنة فإن الله لا يعذب إلا من استحق العذاب.
(٥) الزخرف آية (٣٩).
(٦) قوله: "لأنكم مختلفون في العذاب" ليست في الأصل وهي من-ح- ولا يستقيم المعنى بدونها.
(٧) ذكر ابن جرير والقرطبي نحو هذا المعنى. انظر: تفسير ابن جرير ٢٥/ ٧٥، تفسير القرطبي ١٦/ ٩١.
(٨) في - ح- كتب إضافة بخط مختلف (ترثى أخاها صخر بن … ) وفسر كلمة الخنساء بأن معناها البقرة الوحشية.

<<  <  ج: ص:  >  >>