للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} (١).


(١) الحج آية (٥٢). وهذه الرواية هي المعروفة بقصة الغرانيق، وقد أخرجها الطبري بإسناده عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس وأبي العالية وسعيد بن جبير كلها مرسلة. تفسير ابن جرير ١٧/ ١٨٧، وأخرجها البزار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "فيما أحسب أشك في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بمكة" فذكره. قال البزار: "لا نعلمه يروى بإسناد متصل يجوز ذكره إلا بهذا الإسناد، وأمية بن خالد ثقة مشهور، وإنما يعرف هذا من حديث الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس". كشف الأستار ٣/ ٧٢. قال ابن كثير: "قد ذكر كثير من المفسرين ههنا قصة الغرانيق وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة ظنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا، ولكنها من طرق كلها مرسلة ولم أرها مسندة من وجه صحيح". تفسير ابن كثير ٣/ ٢٢٩، وقال ابن حجر بعد أن أورد من أخرج القصة وبين ضعف الروايات وانقطاعها، قال: "لكن كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا مع أن لها طرقين آخرين مرسلين رجالهما على شرط الصحيحين، أحدهما: ما أخرجه الطبري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والثاني: ما أخرجه أيضا من طريق المعتمر سليمان وحماد بن سلمة فرقهما عن داود بن أبي هند عن أبي العالية ثم قال: وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل، وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض.
وإذا تقرر ذلك تعين تأويل ما وقع منها بمستنكر وهو قوله: " (ألقى الشيطان على لسانه، تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى" فإن ذلك لا يجوز حمله على ظاهره، لأنه يستحيل على النبي صلى الله عليه وسلم أن يزيد في القرآن ما ليس منه، وكذا سهوا إذا كان مغايرا لما جاء به من التوحيد] هكذا في فتح الباري ولا معنى لهذا التخصيص لأن العصمة في االتبليغ حاصلة بكل وهذا ظاهر من قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} ألفاظ القرآن الكريم، وكذلك قوله: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [. لمكان عصمته، ثم نقل عن القاضي عياض وأبي بكر بن العربي تأويلات العلماء لهذه القصة، وكان أحسن هذه التأويلات وأقربها إلى الدليل قول من قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرتل القرآن فارتصده الشيطان في مكة في سكتة من السكتات ونطق بتلك الكلمات محاكيا نغمته بحيث سمعه من دنا إليه فظنها من قوله وأشاعها".
ويؤيد هذا التأويل ما ذكره البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - نفي تفسير قوله تعالى: {إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} قال: "إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه فيبطل الله ما يلقي الشيطان ويحكم آياته". وبين ابن حجر أن هذا التأويل الأخير هو الذي استحسنه القاضي عياض وابن العربي، وأن الطبري حام حول هذا المعنى. انظر: فتح الباري ٨/ ٤٣٨ - ٤٤٠.
وما استحسنه ابن حجر هنا هو أحسن ما قيل لو صحت الرواية وبما أنها لم تصح فلا حاجة إلى توجيه ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>