للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قولهم: إن الله خيرهم بين الإيمان والكفر فهذا جهل منهم بصيغة الأمر وحكمته. فيقال لهم: لو كان هذا تخييراً من اله لهم لم يعذبهم على الكفر ولم يذموا عليه كما لا يعذبون ولا يذمون على التكفير بالإطعام أو الكسوة أو العتق لما خيرهم الله بذلك (١).

ويقال لهم (٢) المراد بهذا الأمر التهديد لا التخيير (٣).

فأجاب القدري عن هذا وقال: أما قول المستدل إنه تهديد فيدل على أن الكفر فعلهم، إذ لو لم يكن فعلاً لهم لما تهددهم به.

والجواب أن يقال: إنه تهديد بهذا كما يهددهم بقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ (٤) بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (٥) ولم يخيرهم بالعمل وإنما توعدهم على العمل بغير بطاعة.

ومثل ذلك قوله تعالى: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ (٦) قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} (٧) الآية.

وكذلك توعدهم في هذه الآية (٨) بقوله: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا}، فأضاف إليهم الإيمان والكفر لأنهما كسب لهم ومحل لخلق الله ذلك فيهم، كما أضاف الأفعال إلى الأرض والفلك لأنها محل لخلق الله ذلك فيها.

ثم قال (٩): وأما تعليق مشيئتهم بمشيئة الله فإنما علق مشيئتهم بمشيئته في الطاعات بقوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (١٠) وكذلك قوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ


(١) (لهم) ليست في - ح-.
(٢) (لهم) ليست في - ح-.
(٣) في الأصل (للتخيير) وفي - ح- كما أثبت.
(٤) في الأصل (إني) وهو خطأ.
(٥) فصلت آية (٤٠).
(٦) (من دونه) ليست في الأصل، وهي في - ح- وهو الصواب.
(٧) الزمر آية (١٥).
(٨) يعني بذلك قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} حيث ذكر عقبها {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} وقد ذكر ابن جرير - رحمه الله - أن الآية إنما هي تهديد ووعيد وليست تخييراً وأسند ذلك عن مجاهد. وقال ابن زيد في هذه الآية: وقوله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} "هذا كله وعيد ليس مصانعة ولا مراشاة ولا تفويضاً". تفسير ابن جرير ١٥/ ٢٣٨.
(٩) أي للمخالف القدري.
(١٠) الإنسان آية (٢٩ - ٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>