للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ} (١) بالمعاصي التي وقع فيها الخلاف (٢).

والجواب: أن قوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} وإن كان مذكوراً عقب الطاعة إلا أنه مستقل بنفسه تعم مشيئته في الطاعة والمعصية، ولأن الله تعالى قال في آية أخرى: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (٣) دل على أنه إذا لم يشأ الله ذكرهم (٤) له لم يذكروه.

وروي أن غيلان القدري سأل عمر بن عبد العزيز عن قوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} (٥). فقال له عمر بن عبد العزيز: إقرأ آخر السورة {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}. فقال غيلان: "قد كنت يا أمير المؤمنين أعمى فبصرتني وضالاً فهديتني"، فلما كان زمن هشام بن عبد الملك (٦) رجع إلى مقالته بالقدر، فقتله هشام ابن عبد الملك (٧).

وقد روينا (٨) عن زيد بن أسلم أنه قال: "والله ما قالت القدرية كما قال الله ولا كما قالت الملائكة - إلى أن قال - قال الله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّه} " (٩)، وهذا تصريح منه بأن الله شاء من العباد ما وقع منهم من طاعة ومعصية.


(١) التكوير آية (٢٨ - ٢٩).
(٢) قد تقدم بيان أن المعتزلة ينكرون المشيئة العامة، وكذلك الإرادة العامة لكل شيء في الفصول السابقة، ومعنى كلام المخالف هنا بإثبات المشيئة في الطاعة دون المعصية إثبات الإرادة، لأن المشيئة والإرادة عنده شيء واحد، والإرادة عنده تتعلق بنوع واحد من أفعال العباد وهي الطاعات الواجبة والمندوبة فقط. وقد تقدم بيان هذا وتفصيله.
(٣) المدثر آية (٥٥٠٥٦).
(٤) (ذكرهم) ليست في الأصل، وهي مثبتة في - ح-.
(٥) الإنسان آية (١ - ٣).
(٦) هشام بن عبد الملك أمير المؤمنين الخلبفة الأموي تولى الخلافة سنة (١٠٥ هـ) بعد أخيه يزيد بن عبد الملك وتوفي سنة (١٢٥ هـ). البداية والنهاية ٩/ ٣٩٥.
(٧) أخرج هذه الرواية الآجري في الشريعة ص ٢٢٨.
(٨) يقصد المصنف هنا أنه تقدم رواية زيد بن أسلم، أو أنه قال هذا اللفظ (روينا) لأنه عزاها إلى اللالكائي وكان عنده إسناد إلى اللالكائي، والله أعلم.
(٩) تقدم تخريجه ص ٥٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>