للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها: أن يقال له: فهذه أقوال الوليد بن المغيرة فيما أخبر الله عنه بقوله: {إِنْ هَذَا إِلاّ قَوْلُ الْبَشَرِ}، فقال الله متوعداً له على قوله هذا {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} (١). فلو كان قوله بذلك صحيحاً لما توعد (٢) الله عليه.

الجواب الثاني: أن يقال له: فمن البشر الذي هذا قوله، فليس أحد يدعي أن هذا قوله بل الكل منهم يقولون هذا قول الله، وإذا سمعوا القارئ بهذا الكلام قالوا صدق الله، من البشر الذي يقول {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدْنِي}.

والجواب الثالث: أن يقال له: إذا كان هذا من قول البشر فأت بسورة من مثله، وإن قال: بل هو كلام البشر عبارة عن كلام الله والمفهوم منه كلام الله قيل له: فمن البشر الذي سمع كلام الله القديم القائم بنفس الله فعبر عنه بهذا الكلام، فيضاف هذا الكلام إليه، ويقال هذا عبارة فلان فإن أحداً لا يدعي أنه عبارته.

فإن قال هو عبارتي عن كلام الله (٣). قلنا له فحقيقة المعبر أن يسمع كلاماً فيعبر عنه، وأنت لم تسمع كلام الله حقيقة، وإنما سمعت قول معلمك فعبرت عن قول معلمك ومعلمك سمع قول معلمهن فصرت معبراً عن عبارة معلمك إلى أن يتناهى (٤) إلى الصحابة - رضي الله عنهم - وهو لم يسمعوا قول الله حقيقة، وإنما سمعوا عبارة النبي صلى الله عليه وسلم عن عبارة جبريل ولا أدري عما عبر عنه جبريل (٥).


(١) المدثر آية (٢٦) وذكر سبب النزول المذكور هنا ابن جرير في تفسيره ٢٩/ ١٥٦.
(٢) في الأصل (قواعد) وهي في - ح- كما أثبت.
(٣) أي إن قال الأشعري هو عبارتي عن كلام الله.
(٤) في - ح- (ينتهي).
(٥) تقدم النقل عن الجويني أن جبريل عليه السلام أدرك كلام الله فقط، انظر: ص ٥٦٤ تعليق (٤). ثم إن الأشاعرة يطلقون الكلام النفسي. وهذا الوصف يدل على اختصاص الكلام بالنفس، ومعلوم أن ما في نفس الإنسان لا يطلع عليه إلا الله عز وجل، أما ما في نفس الباري جل وعلا فقد بين ذلك نبي الله عيسى عليه السلام كما حكى صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ}.
فيقال للأشعرية فمن الذي أطلع على ما في نفس الباري جل وعلا؟ وهذا لا جواب عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>