للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال بأن هذا المتلو عبارة عن القرآن لطال الكتاب، وفيمن ذكرته منهم مقنع (١).


(١) ما ذكر المصنف - رحمه الله - هنا هو رد على اللفظية الذين يقولون لفظي بالقرآن مخلوق، فرد عليهم الأئمة بما تقدم ذكره وغيره كثير، وقد أفرد عبد الله في كتابه السنة ص ١٦٣ - ١٦٦. وكذلك الآجري في الشريعة ص ٨٩، واللالكائي في السنة من ص ٣٤٩ - ٣٦٢ وأكثر هذه النقول هنا منه.
وهذه المسألة من المسائل التي تولدت بسبب فتنة القول بخلق القرآن، ولم تظهر إلا في زمن الإمام أحمد وهو الذي تصدى لها أولاً وبين كفر قائلها، يدل على هذا ما رواه اللالكائي عن ابن جرير - رحمه الله - أنه قال: "وأما القول في ألفاظ العباد بالقرآن فلا اثر فيه نعلمه عن صحابي مضى ولا عن تابعي قفى إلا أن عمن في قوله الشفا والغناء وفي اتباعه الرشد والهدى ومن يقوم لدينا مقام الأئمة الأولى أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، ثم ذكر القول المتقدم ص () ثم قال: "ولا قول عندنا في ذلك يجوز أن نقول غير قوله إذ لم يكن لنا إمام نأتم به سواه وفيه الكفاية والمقنع وهو الإمام المتبع". السنة ٢/ ٣٥٥. فهذا يدل على أنها ظهرت في زمنه وأنه أول من رد على قائلها.
ومسألة اللفظ بالقرآن مسألة متداخلة إذ قول الإنسان "لفظي بالقرآن مخلوق" يحتمل أن المراد به "المقروء" وهو القرآن فيكون هذا عين قول الجهمية والمعتزلة، ويحتمل أن يكون المراد به "فعل القارئ" وهو قراءته وصوته وهو مخلوق وهو من أفعال العباد التي صرح السلف بأنها مخلوقة كما مر في الفصول السابقة، ولهذا التداخل فيها وعدم وضوحها لكل أحد نهى الإمام أحمد عن هذا وقال: "من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع"، وقد تقدم تخريجه ص ٥٧٠.
وهذا سد منه - رحمه الله - لهذا الباب، وتمسك جماعة من أهل الحديث بهذا وخالفهم غيرهم وتوقف أناس. فصار هناك ثلاثة أقوال:
القول الأول: قول إن التلاوة هي المتلو والقراءة هي المقروء، فعلى هذا لا يفرقون بين صوت القارئ بالقرآن ولا المقروء فيجعلونها شيئًا واحداً وكلاهما غير مخلوق. وهو قول القاضي أبي يعلى في المعتمد.
والقول الثاني: من فرق بين القراءة والمقروء والكتابة والمكتوب والتلاوة والمتلو فقالوا: القراءة فعل القارئ وأفعال العباد مخلوقة والمقروء هو كلام الله عزوجل وهو غير مخلوق.
والقول الثالث: قول من توقفوا فيها وقالوا: هذه بدعة لم يتكلم الناس فيها ولم يتعاطوها فتوقفوا فيها.
والقول الأسعد بالحق من هذه الأقوال من فرق بين بين ان هناك فرقاً بين القراءة والمقروء والتلاوة والمتلو، وقد قامت الأدلة واضحة على هذا مما سبق بيانه أن أفعال العباد مخلوقة. وقد دلت الأدلة أيضاً على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وممن فصل هذا القول ووضحه شافياً كافياً الإمام البخاري صاحب الصحيح - رحمه الله -، فقد وقعت عليه محنة بسبب ما نسب إليه من القول إن لفظي بالقرآن مخلوق، فتبرأ من هذا القول وبين أنه لم يقله وإنما قال أفعال العباد مخلوقة وألف كتابه خلق أفعال العباد لبيان هذه المسألة، فأقام الأدلة صريحة واضحة من القرآن والسنة على أن القراءة غير المقروء والتلاوة غير المتلو والكتابة غير الكتوب، وكذلك بينها ابن قتيبة في كتابه الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية، كما بينها شيخ الإسلام ابن تيميية وتلميذه ابن القيم - رحمهم الله - وغيرهم.
انظر: خلق أفعال العباد ص ١٣٩ - ١٤٠، ١٦٧، ٢٠٠ - ٢٠٢ ضمن عقائد السلف، الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية ص ٢٤٥ - ٢٥٠ ضمن عقائد السلف، وانظر محنة البخاري في هذه المسألة في: تاريخ بغداد ٢/ ٣٠ - ٣٣، وانظر في بيان مسألة اللفظ: الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية ١٢/ ١٧٠، ٢١٠ - ٢١١، ٣٠٦، ٣٧٣، والصواعق المرسلة لابن القيم ٢/ ٣٠٦ - ٣١٧.
والملاحظ هنا أن المصنف - رحمه الله - أورد هذه المسألة وهي اللفظ بالقرآن. للرد على الأشعرية القائلين: إن القرآن عبارة عن كلام الله وأن كلام الله معنى قائم بنفس الله عزوجل ليس بحرف ولا صوت، ولا شك أنه يلزمهم ما ورد عن الأئمة بأنهم جهمية لأنهم لا يفرقون بين القراءة والمقروء ولا التلاوة والمتلو بل يجعلونه شيئاً واحداً مخلوقاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>