(٢) هذا كلام باطل فإن القرآن تكلم الله به على ما هو مثبت في القرآن الكريم، ولا يوجد دليل يدل على غير هذا فالسلف يقولون: "إن القرآن كلام الله غير مخلوق"، فإذا كان كلام الله ونعتقد أن الله يتكلم بحرف وصوت يسمع، وثبت عندنا أن القرآن كلامه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك جبريل لم يدلا ولم يغيرا شيئاً مما أمرا بتبليغه، فقد وصف جبريل عليه السلام بقوله: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} فهذه الصفات تدل على أنه بلغ كما سمع، ولما توعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} دل هذا على أن البلاغ كان كما سمع وقد قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} والمراد بكلام الله هنا القرآن الكريم، دل هذا كله على أن هذا القرآن الذي بين أيدينا تكلم الله به لم يزد منه حرف ولم ينقص منه حرف ولم يبدل منه حرف، ومن قال غيرذلك أو زعم غير هذا فعليه الدليل، ولا دليل هنا ولا شك أن كلام الله عزوجل ليس ككلام خلقه، كما أن سمعه وبصره ليس كسمع المخلوق ولا بصره، والله أعلم. أما قوله تعالى {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} فمعناه هوناه وبيناه وسهلناه كما ذكر ذلك ابن جرير في تفسيره ٢٧/ ٩٦. وذكر شبهتهم بالتعاقب السجزي ورد عليها بقوله: "دخول التعاقب إنما ينبغي فيما يتكلم بأداة والأداة تعجز عن أداء شيء إلا بعد الفراغ من غيره، وأما التكلم بلا جارحة فلا يتعين في تكلمه التعاقب، وقد اتفقت العلماء على أن الله سبحانه يتولى الحساب بين خلقه يوم القيامة في حالة واحدة وعند كل واحد منهم أن المخاطب في الحال هو وحده وهذا خلاف التعاقب. ثم لو ثبت التعاقب لم يضرنا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما خرج من باب الصفا "نبدأ بما بدأ الله به، ثم قرأ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} " وبين أن الله بدأ بذكر الصفا، والقرآن كله بإجماع المسلمين كلام الله سبحانه". الرد على من أنكر الحرف والصوت ص ٢١٠ - ٢١١. (٣) في الأصل (وقد) وما أثبت من -ح- وهو الأقوم للعبارة.