(٢) الكلابية والأشعرية متفقون على أن كلام الله نفسي بلا حرف ولا صوت واختلفوا هل كلام الله معنى واحد أم معاني متعددة. قال عبد الله بن كلاب: "إن الكلام الأزلي لا يتصف بكونه أمراً ونهياً وخبراً، إلا عند وجود المخاطبين واستجماعهم شرائط المأمورين المنهيين". وقال الحسن الأشعري: "إن الكلام الأزلي لم يزل متصفاً بكونه أمراً ونهياً وخبراً، يعني بذلك أن الكلام الأزلي معنى واحد موصوف بهذه الصفات كما يوصف الشخص الواحد بأنه ابن لزيد وعم لعمرو وخال لبكر، وبهذا قال الجويني أيضاً". انظر: الإرشاد ص ١١٩، مجموع الفتاوى ١٢/ ١٦٦. وقال الإيجي: "إن كلامه واحد عندنا وانقسامه إلى الأمر والنهي والاستفهام والخبر والنداء بحسب التعليق، وذكر شارح جوهرة التوحيد تو ضيحاً لهذا بقوله: وكلامه تعالى صفة واحدة لا تعدد فيها لكن لها أقسام اعتبارية، فمن حيث تعلقه لطلب فعل الصلاة مثلاً أمر، ومن حيث تعلقه بطلب ترك الزنا مثلاً نهي، ومن حيث تعلقه بأن فرعون فعل كذا مثلاً خبر، ومن حيث تعلقه بأن الطائع له الجنة وعد، ومن حيث تعلقه بأن العاصي يدخل النار وعيد، وهكذا". انظر: المواقف في علم الكلام ص ٢٩٥، شرح جوهرة التوحيد ص ٧٢. والناظر في هذه الأقوال يتبين له فسادها لأنه كلام لا يمكن عقله وإدراك المراد به ولا تطبيقه إلا في الخيال، أما الواقع فلا يمكن، فكيف تكون الأشياء شيئاً واحداً والمتباينات متفقات هذا ما لا يعقل، فالكلام سواء كان بحرف وصوت أو كان كلاماً نفسياً فلابد أن يكون متعدداً مترتباً وإلا لم يكن كلاماً ولا يصح وصفه بحال من الأحوال أنه كلام. ولئن قالوا إن التعدد والتعاقب صفة كلام المخلوق وكلام الله لا يشبه كلام المخلوق. قلنا لهم: إننا لا نشبه كلام الخالق بكلام المخلوق وإنما نصفه بما وصف به نفسه، حيث ثبت عندنا أن القرآن كلامه وهو حروف ويلزم منها التعاقب فوصفنا لكلامه بما دلنا علي كلامه، وأنتم وصفتم بها كلام الله، مع العلم أن ما وصفتم به كلام الله أمر لا يمكن معرفته بحال إلا عن طريق الوحي لأنه يختص بما في ذاته جل وعلا من المعاني. والحق أنه لا يوجد عندهم دليل شرعي على ما توهموه وموهوا به، وإنما هي قاعدة نفي حلول الحوادث بذات الله عزوجل، وهي قاعدة فاسدة ولا أدل على فسادها من مصادمتها لصريح القرآن والسنة والعقل في صفات الله عزوجل. وقد فصل شيخ الإسلام بيان فسادها فلينظر قوله في مجموع الفتاوى ١٢/ ١٤٠ - ١٦١.