للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب الثاني: أن يقال لو كان فهم سماع موسى لكلام الله محالاً عند النبي صلى الله عليه وسلم وعند الخلق، لما أخبر الله بذلك بكتابه لأنه لا يخبر بالمحال ومما لا يعقل، فإن الله أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك ليدل على فضيلة موسى صلى الله عليه وسلم، فلو كان غير معقول ولا معلوم عند الخلق لما علموا فضيلته.

والجواب الثالث: أن يقال قولك إن الله أسمع موسى بغير حرف ولا صوت مخالف لما أخبر الله عن ذلك بكتابه فقال: {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} (١)، فأمر الله بالاستماع إلى ما يوحى، والاستماع عند العرب لا يكون إلى صوت وحرف، ولا يكون الاستماع إلى الصفة القائمة بالذات لأن ذلك لا يعقل، ألا ترى أنه لو قال استمع إلى بصر الله وسمعه وحياته وقدرته لكان ذلك محالاً من الكلام وهي صفات قائمة بالذات، وأيضاً فإن الله أخبر عما أمره بالاستماع إليه فقال: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدْنِي} فجمع بالآية بين الإخبار بأنه لا إله إلا هو، وأن الساعة آتية وأنه يخفيها وتجزي كل نفس بما تسعى، وبين أمره له بالعبادة وإقامة الصلاة لذكره، وهذه معان مختلفة.

فإن قال: ليس في هذا كله دليل على أن الله أسمعه هذا الكلام على هذا النظم، قلنا: إذا لم يكن في هذا دليل على أنه أسمعه هذا النظم لم يكن قوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} (٢) دليلاً على أنه كلمه ولا أنه كليمه. إلزام واعتراض ذكره الغزالي أيضاً في الاقتصاد.

إن قال قائل: هل كلام الله حال في المصحف أم لا، فإن كان حالاً فكيف حل القديم في المحدث، إن قلتم لا فهو خلاف الإجماع (أن في


(١) طه آية (١٣ - ١٥).
(٢) النساء آية (١٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>