للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوقها فهو تحت التحت وأنه فوق الفوق والأشياء تحته وهذا متنقاض، فإن احتجوا بقوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} (١)، وبقوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (٢).

فالجواب: أن المراد بالآية {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ} أي من حديث بين ثلاثة إلا هو رابعهم بالإحاطة والعلم لا في العدد لأنه واحد لا من عدد ولا واحد في معناه (٣)، وكذلك المعنى في قوله تعالى: {وَلا خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سَادِسُهُمْ}. إلى قوله: {إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا}، يريد بالإحاطة والعلم لا بالذات والحلول.

يدل على صحة هذا التأويل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ} الآية .. إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فبدأ الآية بالعلم وختمها بالعلم، فدل على أن المراد بذلك كله الإخبار عن علمه وإحاطته بهم في جميع هذه الحالات (٤).

فإن احتجوا بقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأرْضِ إِلَهٌ} (٥) فأخبر أنه إله بكل واحد منهما.


(١) المجادلة آية (٧).
(٢) الحديد آية (٤)، وقد ذكر احتجاج الجهمية القائلين أنه بكل مكان بهذه الآية الإمام أحمد في رده على الجهمية. انظر: ص ٩٥ ضمن عقائد السلف، وذكره الدارمي عنهم في رده على بشر المريسي ص ٧٩.
(٣) مراده بقوله: (لأنه واحد لا من عدد) أي ليس واحد من عدد معدود كالواحد من الاثنين أو الثاني من ثلاثة، وهكذا. وقوله: (ولا واحد في معناه) أي لا يشركه جل وعلا في صفة الوحدانية أحد.
(٤) ذكر هذا الرد الإمام أحمد في الرد على الجهمية ص ٩٥، وكذلك الدارمي في الرد على بشر المريسي ص ٨٠. وروى البيهقي بإسناده في الأسماء والصفات ص ٥٤١ إلى سفيان الثوري والضحاك ومقاتل بن حيان أنهم قالوا في قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ} أي بعلمه.
(٥) الزخرف آية (٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>