(٢) النحل آية (١٢٨). (٣) طه آية (٤٦). (٤) في - ح- (الفجار). (٥) أورد المصنف - رحمه الله - هنا الرد على الجهمية والحلولية القائلين بأن الله في كل مكان مستدلين بالآيات المتقدمة الدالة على معية الله لخلقه. والناظر في معنى المعية في اللغة يتضح له أن كلمة (مع) تطلق ويراد بها عدة معان: قال الراغب الأصفهاني في المفردات: مع تقتضي الاجتماع إما في المكان نحو (في الدار)، أو في الزمان نحو (ولدا معاً)، أو في المعنى كالمتضايقين كالأخ فإن أحدهما صار أخاً للآخر في حال ما صار الآخر أخاه. وأما في الشرف والرتبة: نحو (هما معاً في العلو). وتقتضي معنى النصرة نحو {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} المفردات ص ٤٧٠. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولا يحسب الحاسب أن شيئاً من ذلك يناقض بعضه بعضاً ألبتة مثل أن بقول القائل: ما في الكتاب والسنة من أن الله فوق العرش يخالفه في الظاهر قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} وقوله صلى الله عليه وسلم "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قبل وجهه" ونحو ذلك، فإن هذا غلط وذلك أن الله معنا حقيقة، وهو فوق العرش حقيقة كما جمع الله بينهما في قوله سبحانه: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ثم قال .. "وذلك أن كلمة (مع) في اللغة إذا أطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة من غير وجوب مماسة أو محاذاة عن يمين أو شمال، فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى، فإنه يقال: ما زلنا نسير والقمر معنا أو النجم معنا، أو يقال: هذا المتاع معين لمجامعته لك وإن كان فوق رأسك، فالله مع خلقه حقيقة، وهو فوق عرشه حقيقة، ثم هذه المعية تختلف أحكامها بحسب المراد فلما قال: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} إلى قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}، دل ظاهر الخطاب على أن حكم هذه المعية ومقتضاها أنه مطلع عليكم شهيد عليكم مهيمن عالم بكم، وهذا معنى قول السلف أنه معهم بعلمه، وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته، وكذلك في قوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ} إلى قوله: {إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} كان هذا أيضاً حقاً على ظاهره، ودلت الحال على أن حكم هذه المعية هنا معية الاطلاع والنصر والتأييد، وكذلك قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}، وكذلك قوله لموسى وهارون: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} هنا المعية على ظاهرها وحكمها في هذه المواطن النصر والتأييد وقد يدخل على صبي من يخيفه فيبكي ويشرف عليه أبوه من فوق السقف فيقول: لا تخف أنا معك، أو أنا هنا أو أنا حاضر ونحو ذلك ينبهه على المعية الموجبة بحكم الحال دفع المكروه ففرق بين معنى المعية وبين مقتضاها، وربما صار مقتضاها من معناها فيختلف باختلاف المواضع فلفظ المعية قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع يقتضي في كل موضع أموراً لا يقتضيها في الموضع الآخر، فإما أن تختلف دلالتها بحسب المواضع، أو تدل على قدر مشترك بين جميع مواردها، وإن امتاز كل موضع بخاصية، فعلى التقديرين ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب عزوجل مختلطة بالخلق حتى يقال قد صرفت على ظاهرها" انتهى. نقلته بتمامه لما فيه من التحقيق والتدقيق حول مسألة العلو والمعية من الفتوى الحموية الكبرى ص ٦٠ - ٦٢، وانظر: كلامه - رحمه الله - في مجموع الفتاوى ٥/ ١٠٢ - ١٠٦.