للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالت المعتزلة: "لا يجوز وصف الله بأنه يرى" (١).

وقالت الأشعرية: "المؤمنون يرونه ولكن لا يرونه عن مقابلة" (٢).

ودليلنا قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (٣)، قال أنس بن مالك: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى هذه الآية فقال: "للذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى وهي الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله تعالى" (٤).


(١) أجمعت المعتزلة على إنكار رؤية الله عزوجل في الآخرة وبه قال أيضاً الجهمية والخوارج والروافض وطوائف من المرجئة وطوائف من الزيدية. انظر: شرح الأصول الخمسة ص ٢٣٨، مقالات الإسلاميين ١/ ٢٨٩، حادي الأرواح ص ١٩٦، شرح العقيدة الطحاوية ص ٢٠٤.
(٢) الأشاعرة: لما كانوا يأخذون الشيء من السنة والشرع وهم ملتزمون بقواعد الجهمية والمعتزلة في كثير من أقوالهم أثبتوا رؤية الله عزوجل في الآخرة للمؤمنين ونفوا أن تكون الرؤية في جهة العلو أو غيرها لأنهم موافقون للمعتزلة في إنكار هذا الأمر، فلهذا لزمهم في إثبات الرؤية إثبات الجهة إذ المرئي لا بد أن يكون في جهة، وفراراً من هذا الإلزام زعموا أن الرؤية ليست رؤية بصر وعين بل هي نوع إدراك وهو كمال ومزيد كشف واستيضاح لذات الله عزوجل يعبر عنه بالرؤية والمشاهدة.
وهذا قول باطل يعلم بطلانه ببديهة العقل حيث لا يمكن للإنسان أن يرى إلا في جهة، والمرئي لا بد أن يكون في جهة. ثم إن الشرع دل على ذلك كما سيأتي في الأدلة التي يذكره المصنف، والله جل وعلا قد ثبت له صفة العلو سبحانه ثبوتاً قاطعاً بدلالة القرآن والسنة والعقل والفطرة فزعم أنه يرى لا في جهة قول معلوم الفساد كقولهم إنه لا فرق ولا تحت ولا بذي جهة. كما أن تفسيرهم للرؤية بنوع إدراك وكشف وليس هو رؤية بصر وعين تخوض بالباطل وقول لا دليل عليه وتحكم بأمر لم يطلعوا عليه ولم يعاينوه، فعليهم أن يثبتوا دليلهم عليه من القرآن أو السنة، لأنهما جاءا بالرؤية بالعين والبصر، وهم زعموا أنها رؤية قلبية ونوع كشف فعليهم أن يأتوا بالدليل على ذلك أو يكون تخرصاً بالباطل وقول بلا علم. انظر: الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي ص ٤٤ - ٤٦، غاية المرام في علم الكلام للآمدي ص ١٦٦، المواقف للإيجي ص ٢٩٩ - ٣٠٠، مجموع الفتاوى ٢/ ٨٢ - ٨٩.
(٣) يونس آية (٢٦).
(٤) أخرجه اللالكائي في شرح السنة ٣/ ٤٥٦، وسنده ضعيف فإن فيه نوح بن أبي مريم، قال عنه أبو حاتم ومسلم والدولابي والدارقطني: "متروك الحديث"، وقال الخليلي: "أجمعوا على ضعفه"، وكذبه ابن عيينة. التهذيب ١٠/ ٤٨٧، وذكره ابن القيم في حادي الأرواح وعزاه إلى الدارقطني في الرؤية من طريق آخر إلا أنه ضعيف، فإن في إسناده عمر بن سعيد البصري الأبح، قال عنه البخاري وابن عدي: "منكر الحديث". انظر: الأرواح ص ٢١٨ الكامل لابن عدي ٥/ ١٧٠٤، الميزان ٣/ ٢٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>