للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك إلى رؤية البصر، وصار كقوله تعالى: {فَانْظُرْ (١) إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} (٢) أي انظر بعينك، وصار كقول الشاعر:

انظر إلي بوجه لا خفاء به … أريك تاجاً على سادات عدنان (٣)

وكل نظر لم يعده بحرف جر ولا قرنه بالوجه فإنه لا يقتضي نظر العين، وهذا كقوله تعالى: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} (٤)، كذلك قوله تعالى: {مَا يَنْظُرُونَ إِلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} (٥)، فإنه يريد بذلك الانتظار دون نظر العين، ولا يجوز حمل الآية على الانتظار، لأن أهل الجنة فيما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فلا يجوز أن يحمل أمرهم على الانتظار، لأنهم كلما خطر ببالهم أتاهم من الله.

وأما النظر في قوله تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} (٦). فإنه أراد به الاعتبار، ولا يجوز أن يحمل النظر هاهنا عليه، لأن الآخرة ليست بدار اعتبار.

وأما النظر في قول الله: {وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ} (٧)، فإنه أراد به التعطف والرحمة، فلا يحمل النظر في الآية على هذا، لأن المؤمنين في الجنة لا يوصفون بالرحمة لربهم فثبت أنه أراد النظر بالعين (٨).


(١) في النسختين (انظر) وهو خطأ.
(٢) البقرة آية (٢٥٩).
(٣) لم أقف عليه.
(٤) النمل آية (٣٥).
(٥) يس آية (٤٩).
(٦) الغاشية آية (١٧).
(٧) آل عمران آية (٧٧).
(٨) انظر: الاعتقاد للبيهقي فقد أبان أيضاً عن المراد بمعنى النظر ص ٤٥ - ٤٦، وذكر الاستدلال أبو شامة ونقل كثيراً من اعتراضات المعتزلة على هذا الدليل ورد عليها. انظر: ضوء الساري إلى معرفة رؤية الباري ص ٣٠ - ٦٤، وانظر: شرح العقيدة الطحاوية ص ٢٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>