للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى رؤيته فسأل الرؤية، فلو كانت رؤية الله مستحيلة لما سألها موسى عليه الصلاة والسلام. فقال: {لَنْ تَرَانِي} في الدنيا ولا تطيق (١) عليها في الدنيا، وإنما منعه الله إياها في الدنيا لمعان:

أحدها: أن النظر الذي في عينه خلقه الله للفناء فلا ينظر به إلى الله الذي هو باق ولا يفنى.

والثاني: أن الدنيا دار تكليف فمعرفة الخلق له إنما هي عن غيب ليكون لهم الثواب لا معرفة ضرورية (٢).

والثالث: أن رؤية الله تعالى من أجل النعم التي ادخرها الله لأهل الجنة في الآخرة فلم يعطها أحداً في الدنيا.

ولا يجوز أن يكون المراد بقوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي} من (٣) رؤيته في الدنيا والآخرة، لأنه لو أراد ذلك لقال: "لا تراني"، ولأنه لو كان سؤال موسى مستحيلاً لأخبره الله بذلك وقال: لا تسألن عما ليس لك به علم، كما قال لنوح عليه السلام: {فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (٤)، ولنهى موسى عن ذلك.

ثم قال الله لموسى: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} أي اجعل الجبل علماً بيني وبينك لأنه أقوى منك، فإن استقر مكانه فسوف تراني، وإن لم يستقر الجبل مكانه لن تطيق رؤيتي في الدنيا.

وفي قوله تعالى: {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} دليل على جواز رؤية


(١) في الأصل (نطلق) وفي -ح- كما أثبت وهي أقرب إلى وضوح المعنى المراد وهو (أي لا تقدر عليها).
(٢) المراد هنا معرفة ضرورية تحصل بالمشاهدة.
(٣) هكذا في النسختين ولعل صوابها (نفي).
(٤) هود آية (٤٦) وهذه الآية ليست في -ح-.

<<  <  ج: ص:  >  >>