للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأراد الله بهذا إعلام موسى أن أحداً لا يراه في الدنيا إلا لحقه ما لحق الجبل، فلما رأى موسى تدكك الجبل خر صعقاً أي مغشياً عليه (١)، وقيل ميتاً (٢)، فلما أفاق قيل من غشيته، وقيل: ردت عليه نفسه، قال: {سُبْحَانَكَ} كلمة تنزيه لله وإجلال له {تُبْتُ إِلَيْك} أي من سؤالي الرؤية في الدنيا (٣) لهول ما أصابني لا لأنها مستحيلة ولا لأني عاص بسؤالي، كما يقول القائل: تبت إليك من ركوب البحر، ومن تكليم فلان ومعاملته، وإن كان ذلك كله مباحاً، ويحتمل أن يكون سؤاله الرؤية ذكرته ذنوباً قد كان تاب منها فجدد التوبة منها عند ذكرها لهول ما رأى، كما يسارع الناس إلى التوبة عند مشاهدة الأهوال (٤).

وقوله: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} يعني أول المصدقين من هذه الأمة أنك لا ترى في الدنيا (٥)، وقال الحسن: "أنا أول المؤمنين بك لأنه أول من آمن في زمانه" (٦).

ومن الدليل على ما قلناه قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} (٧)، أي ما يحيون به سلام، ومثله {وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً} (٨)


(١) بهذا قال ابن عباس وابن أبي زيد، ذكر ذلك ابن جرير في تفسيره ٩/ ٥٣.
(٢) هو قول قتادة وابن جريج روى ذلك عنهم ابن جرير ٩/ ٥٣.
(٣) هذا ما رجح ابن جرير من الأقوال وأسنده من قول ابن عباس ومجاهد وأبي العالية. تفسير ابن جرير ٩/ ٥٥.
(٤) ذكر القرطبي عن القشيري أنه ذكر أن التوبة كانت من قتل القبطي. تفسير القرطبي ٧/ ٢٧٩.
(٥) ذكر ابن جرير هذا عن ابن عباس ي رواية وأبي العالية واستحسن هذا ابن كثير. تفسير ابن جرير ٩/ ٥٥، تفسير ابن كثير ٢/ ٢٤٥.
(٦) لم أقف على هذه الرواية عن الحسن، وقد روى ابن جرير عن ابن عباس ومجاهد أن معناه أول المؤمنين من بني إسرائيل، وهو الذي رجحه ابن جرير. انظر: ٩/ ٥٥ - ٥٦.
(٧) الأحزاب آية (٤٣ - ٤٤).
(٨) الفرقان آية (٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>