وقد دلت الأدلة الشرعية على أن صاحب الكبيرة في الآخرة تحت المشيئة، فقد يكون مرحوما من أول وهلة ولا يعذب، وقد يعذب ويغضب عليه في أول الأمر ثم يخرج وصاحب الكبيرة لا يكون الأمر بالنسبة إليه على وتيرة واحدة كالمؤمن الصادق أو كالكافر، بل هو محتمل الأمرين لأنه خلط الصالح بالسيئ، فقد ترجح له حسناته فينجو وقد ترجح سيئاته فيعذب حتى يطهر من هذه السيئات ثم يخرج وهذا من عدل الله ورحمته. ولا يجوز إطلاق أن الفاسق عدو لله متبرأ منه لأن هذه الأمور بالنسبة لمن معه أصل الإيمان على حسب ما يرتكب من الأعمال السيئة، فعداوته لله نسبية وليست مطلقة كعدواة الكفار، وكذلك الأمر بالنسبة له في الآخرة فما دام أتى بأصل الإيمان فإنه ستصله الرحمة إما مباشرة وإما بعد أن يتطهر من ذنوبه بالعذاب الذي يحكم الله به عليه. وهذا التعميم من المعتزلة بأن الفاسق عدو لله هو موطن الخلاف بيننا وبينهم، فالأدلة الشرعية على خلاف قولهم ف حكمه في الدنيا وحكمه في الآخرة، وسبب ضلالهم في هذا أنهم أخذوا بنصوص الوعيد وتركوا نصوص الوعد، فآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض، أما أهل السنة فإنهم أخذوا بالنصوص كلها واستظهروا الحق من مجموعها فهداهم الله إلى أن مرتكب الكبيرة في الدنيا ليس خارجاً من الإسلام وفي الآخرة أمره إلى الله عز وحل. أما قول المصنف في جوابه "إنا لا نحكم للفاسق بأنه عدو لله وأن الله لعنه إلا بشرط أن يكون في معلوم الله أنه يعذبه ولا يغفر له … " الخ. هذا كلام غير صحيح، فإنه تضمن نفي صفات الباري جل وعلا بالغضب والرضا والحب والكره لجنس الأعمال الواقعة من العباد، وإنما الغضب اتصاف والرضا والحب والكره يتعلق بذوات الأشخاص فمن علم الله موته على الكفر فهو المبغض، ومن علم الله موته على الإيمان فهو المحبوب، وقد دلت الأدلة الشرعية على خلاف هذا وهو أن الله يرضى ويحب ويفرح عند وقوع الفعل من بني آدم، ويغضب ويكره عند وقوع الأفعال الموجبة لذلك من بني آدم. ومن الأدلة الواضحة في هذا قوله عزوجل: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ