للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال آخرون: هما شيئان لا تواصل بينهما (١).

وقال آخرون: هما شيئان بينهما ارتباط وتواصل (٢).


(١) لم يتبين لي القائلين بهذا القول لأن القائلين بالفرق بينهما يقولون بوجود ترابط بينهما.
(٢) القول بالفرق بين الإسلام والإيمان جاء عن ابن عباس والحسن البصري ومحمد بن سيرين والزهري وعبد الرحمن بن مهدي وابن أبي ذئب ومالك وشريك وحماد بن زيد والإمام أحمد، وبه قال ابن جرير وابن كثير وشيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: "ولا علمت أحداً من المتقدمين خالف هؤلاء ولهذا كان عامة أهل السنة على هذا الرأي". انظر: الإيمان للإمام أحمد ورقة ١٠١/أ، السنة لعبد الله ١/ ٣١١، تفسير ابن جرير ٩/ ٢٦ - ٢٨ اعتقاد أهل السنة للالكائي ٤/ ٨١٢ تفسير ابن كثير ٤/ ٤١٩، الفتاوى ٧/ ٣٥٩.
وقد ورد عن القائلين بهذا القول عادة أقوال في بيان وجه الفرق بين مسمى الإسلام والإيمان:
القول الأول: قول الزهري وابن أبي ذئب وقول عن الإمام أحمد: "أن الإسلام الكلمة والإيمان العمل" انظر: للإمام أحمد ورقة ١٠٣/أ، السنة لعبد الله ١/ ٣٥١، ومعنى قول الزهري - والله أعلم - أن الإسلام يطلق على من أتى بالكلمة وهي الشهادتان فإنه يصح أن يقال عنه مسلم، أما الإيمان لا يكون إلا بالعمل. انظر: الفتاوى لشيخ الإسلام ٣/ ٣٥٨، فتح الباري ١/ ٧٦.
القول الثاني: قول حماد بن زيد، واللالكائي: "الإسلام عام والإيمان خاص". انظر: اعتقاد أهل السنة للالكائي ٤/ ٨١٢، الإيمان منده ١/ ٣١١، ولعل معنى قوله هنا - والله أعلم - أن الإسلام عام من ناحية أهله إذ كل من أتى بالشهادتين فهو مسلم، أما الإيمان فإنه خاص من ناحية أهله، لأن فيه شروطاً وهي العمل، وذكر ابن منده أن معنى قول حماد أن الإيمان خاص، أي أن معرفة الإيمان عند الله دون خلقه فهو خاص له إذ هو متعلق بالباطن وأن الإسلام عام، لأن الخلق يطلعون عليه إذ هو متعلق بالظاهر.
قلت: هذا التفسير لا يتفق مع النصوص الواردة في الإيمان والإسلام الشرعي، فإن الأعمال الظاهرة من الإيمان كما هو دون ثابت عن السلف، إلا إذا كان يقصد الإيمان القلبي والأعمال القلبية من الخوف والرجاء والتوكل التي هي أعظم شعب الإيمان.
القول الثالث: أن الإسلام والإيمان بينهما فرق وتلازم، فإنهما حيث اجتعما في كلام الشارع افترقا بالمعنى فصار الإسلام اسماً للأعمال الظاهرة والإيمان اسماً للأعمال الباطنة، كما في حديث جبريل. وإذا افترقا دخل أحدهما في الآخر كما في حديث وفد عبد القيس حيث فسر الإيمان بالأعمال الظاهرة، وكقوله تعالى: {إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ} فإنه يدخل فيه الإيمان.
وهذا أرجح الأقوال لأن فيه جمعاً بين النصوص التي جمع فيها بين ذكر الإسلام والإيمان والنصوص التي أفرد فيها أحدهما عن الآخر، وقد ذكر هذا القول جماعة من العلماء ورجحوه. انظر: قول الخطابي في معالم السنن بهامش مختصر أبي داود ٧/ ٤٩، وانظر: شرح مسلم للنووي وقول المصنف هنا "بينهما ارتباط وتواصل" يعني بذلك انه لا يصح إيمان إلا بإسلام ولا إسلام إلا بإيمان.
وقدشبه شيخ الإسلام التلازم والتباين بين افسلام والإيمان بالروح والبدن، فالروح شيء والبدن شيء، إلا أنه لا حياة للبدن بلا روح، والروح لا بد لها من بدن، فالإيمان كالروح، والإسلام كالبدن فهما متلازمان، إلا أن مسمى أحدهما غير الآخر الفتاوى ٧/ ٣٦٧. وقال الشارح الطحاوية موضحاً ارتباط الإسلام بالإيمان: "لا إيمان لمن لا إسلام له، ولا إسلام لمن لا إيمان له إذ لا يخلو المؤمن من إسلام به يتحقق إيمانه ولا يخلو المسلم من إيمان يصح به إسلامه". شرح الطحاوية ص ٣٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>