الإيمان قول بلا عمل، فقال سفيان: كان هذا قبل أن تنزل أحكام الإيمان وحدوده، إن الله عز وجل بعث محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة أن يقولوا لا إله إلا الله وأنه رسول الله، فإذا قالوها عصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله، فلما علم صدق ذلك من قلوبهم أمره أن يأمرهم بالصلاة فأمرهم ففعلوا، والله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول، فلما علم الله صدق ذلك من قلوبهم أمره أن يأمره بالهجرة إلى المدينة، فأمرهم ففعلوا، والله لو لم يفعلوا ما نفعهم إقرارهم الأول ولا صلاتهم، فلما علم الله صدق ذلك من قلوبهم أمرهم بالرجوع إلى مكة فيقاتلوا آباءهم وأبناءهم حتى يقولوا كقولهم ويصلوا صلاتهم ويهاجروا كهجرتهم، فأمرهم ففعلوا حتى أتى أحدهم برأس أبيه، فقال: يا رسول الله هذا رأس الشيخ الكافر، والله لو لم يفعلوا ما نفعهم إقرارهم الأول ولا صلاتهم ولا مهاجرتهم، فلما علم الله صدق ذلك من قلوبهم أمره أن يأمرهم بالطواف بالبيت تعبداً وأن يحلقوا رؤوسهم تذللاً ففعلوا، والله لو لم يفعلوا ما نفعهم إقرارهم الأول ولا صلاتهم ولا مهاجرتهم ولا قتلهم آباءهم، فلما علم الله صدق ذلك من قلوبهم أمره أن يأخذ من أموالهم صدقة يطهرهم بها ولا مهاجرتهم ولا قلتهم آباءهم ولا طوافهم، فلما علم الله الصدق من قلوبهم فيما تتابع عليهم من شرائع الإيمان وحدوده قال عزوجل:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً}. قال سفيان:"فمن ترك خلة من خلال الإيمان جاحداً كان بها عندنا كافراً، ومن تركها كسلاً وتهاوناً أدبناه وكان بها عندنا ناقصاً، هكذا السنة أبلغها عني من أسلك من الناس"(١).
(١) أخرجه الآجري في الشريعة عن محمد بن عبد الملك المصيصي عن سفيان بن عيينة ص ١٠٣، وابن بطة في الإبانة الكبير ٢/ ٦٣٠.