للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل لبعض الحكماء: ما الصدق القبيح قال: "ثناء الإنسان على نفسه" (١).

والإيمان من أعلى صفات الحمد، وإطلاق القول به تزكية مطلقة، والاستثناء فيه خروج من التزكية كما يقال للإنسان: أنت فقير أو مفسر؟ فيقول: نعم إن شاء الله لا في معرض الشك ولكن الإخراج نفسه عن التزكية.

والمعنى الثاني في الاستثناء: التأدب بذكر الله في كل حال وإحالة الأمور كلها إلى مشيئة الله تعالى، وقد أدب الله نبيه فقال: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً، إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (٢)، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تمام إيمان المرء استثناؤه في كل كلام " (٣).

وقال الله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} (٤) والله سبحانه عالم بأنهم يدخلون لا محالة، وأنه شاء دخولهم، وقوله إن شاء الله ليس على سبيل الشك، ولكن أدب الله نبيه والمؤمن في أن لا يتركوا الاستثناء ورد المشيئة إليه، فتأدب رسول الله صلى الله عليه وسلم (بما أدبه الله من ذكر الاستثناء في كلامه، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) (٥) دخل المقبرة في البقيع قال (٦): "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله (٧) بكم لاحقون" (٨). فالاستثناء منه صلى الله عليه وسلم عائد إلى الإيمان أي على الإيمان بكم إذ (٩) الموت لا يشك فيه.


(١) لم يتبين لي قائله.
(٢) الكهف آية (٢٣).
(٣) تقدم تخريجه ص ٧٥٠ وبين أنه حديث موضع.
(٤) الفتح آية (٢٧).
(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل وهو في - ح -.
(٦) في الأصل (فقال).
(٧) في - ح - (عن قريب بكم .... ).
(٨) أخرجه م. كتاب الجنائز (ب ما يقال عند دخول القبور) ٢/ ٦٧٠ من حديث عائشة - رضي الله عنها -، وأخرجه حم ٢/ ٣٠٠، جه كتاب الجنائز (ب ذكر الحوض) ٢/ ١٤٣٩ كلاهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٩) في الأصل جملة (بما أدبه الله من ذكر الاستثناء في كلامه) وليست في - ح - وإنما هي الموضع المتقدم، ومعنى كلامه هنا أن الاستثناء في الحديث هو في اللحوق بهم على الإيمان، وروي عن الإمام أحمد أنه قال: "الاستثناء هنا على البقاع لا يدري أيدفن في الموضع الذي سلم عليهم فيه أو غيره"، وقيل: إنها على سبيل التبرك والامتثال لأمر الله. انظر: كتاب الإيمان للإمام أحمد ورقة ١٠٠/أ، شرح السنة للبغوي ٥/ ٤٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>