للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب أن يقال: إن هذا ليس بنص على إمامته، لأن النص ما لا يحتمل التأويل، وإنما الخبر ورد على سبب، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج في غزوة تبوك خلفه على المدينة فقال المنافقون: إنه أبغض عليا وقلاه حين لم يخرجه معه، فتبعه علي - رضي الله عنه - وقال: يا رسول الله أتتركني مع الذرية والعيال فقال صلى الله عليه وسلم: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى" (١)، وأراد بذلك حين خلفه على قومه يوم توجه لكلام ربه، ولم أخلفك بغضا ولا قلا، ولم يرد أنك تَخْلفُنُى بعد موتى، لأن هارون لم يخلف موسى صلى الله عليه وسلم بعد موته بل مات فقبل موسى وإنما خلفه يوسع بن نون (٢).

فإن قالوا: فقد ولاه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة يومئذ، وما روي أنه عزله عن ولايته عليها فيجب أن تكون ولايته ثابتة عند موته وبعد موته.

قيل لهم: هذا لا يصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع عن (٣) غزوته كان حكم المدينة وأمرها إليه، ولم يقل أحد إن عليا كان يملك الولاية عليها بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوته، ويعارض هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم ولى أبا بكر الإمامة في


(١) أخرجه بذكر هذا السبب أبو نعيم في الإمامة ص ٢٢٢ عن عطية عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، وعطية هو العوفي وهو ضعيف. انظر: الميزان ٣/ ٨٠ والذي عند البخاري ومسلم أن عليا - رضي الله عنه -، اعترض على هذا التخليف بقوله: "تخلفني في النساء والصبيان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا ترضى … " الحديث، وهذا السبب الثابت في الصحيحين لا يغير المعنى إذ المراد هو تشبيه التخليف، فكما خلف موسى هارون عليهما السلام خلف النبي صلى الله عليه وسلم عليا - رضي الله عنه -، وليس في ذلك دلالة على استحقاقه الخلافة بعده فإن من سنته صلى الله عليه وسلم أنه إذا سافر استخلف على المدينة.
(٢) ذكر هذا الاحتجاج ورد عليه بنحو ما ذكر هنا أبو نعيم الأصفهاني في كتابه الإمامة ص ٢٢١ وذكر هذا الاستدلال أيضا الحافظ ابن حجر في الفتح ٧/ ٧٤ وعزا إلى الخطابي الجواب عنه بنحو ما ذكر هنا. كما ذكره شيخ الإسلام وأطال في الرد عليهم بما يشفي ويكفي في منهاج السنة النبوية ٧/ ٣٢٥، ٣٤٠.
(٣) هكذا في النسختين والأولى (من).

<<  <  ج: ص:  >  >>