للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحفظ عمر - رضي الله عنه - وصية أبي بكر في نفسه ورعيته، فكان في الدنيا زاهدا، وفي الآخرة راغبا.

فروي أنه أتي له بلبن فشربه فقيل له: إنه من إبل الصدقة فتقيأه، وذلك أنه كره بقاءه في جوفه (١).

وروي أنه أتى إليه بمسك من بيت المال فقسم بحضرته فسد على أنفه، فقيل له: يا أمير المؤمنين إنما يتجاوز إليك ريحه فقال: وهل يراد من المسك إلا رائحته". (٢)

وهذا غاية في الورع.

وروي أنه قال: "لو شئت أن أدعو بصلاء (٣) وصناب (٤) وأفلاذ (٥) وأسنمة (٦) وأكباد لو شئت أن يدهمق (٧) لي لفعلت، ولكن الله عاب قوما ذلك فقال: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} (٨).


(١) لم أقف على من ذكره على هذا النحو، وإنما روي ابن شبة في تاريخ المدينة ٢/ ٧٠٣ بسنده عن ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن عبد الرحمن بن نجيح قال: "نزلت على عمر - رضي الله عنه -، فكانت له ناقة يحلبها فانطلق غلامه ذات يوم فسقاه لبنا أنكره فقال: ويحك من أين هذا اللبن لك؟ قال: يا أمير المؤمنين إن الناقة انفلت عليها ولدها فشربها فحلبت لك ناقة من مال الله، فقال: ويحك تسقيني نارا، واستحل ذلك اللبن من بعض الناس" وذكر ابن الجوزي في تاريخ عمر ص ١٨٤ أن الذي أفتاه بحله علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.
(٢) لم أقف على من ذكره، وقد روى ابن شبة في تاريخ المدينة ٢/ ٧٠٣ أن مسكا وعنبرا قدم عليه فقالت زوجته عاتكه بنت زيد: "هلم أزن لك فإني جيدة الوزن"، قال: "لا، إني أكره أن تصيب يدك فتقولين هكذا على صدرك بما أصابت يداك فضلاً على المسلمين".
(٣) الصلاء: الشواء وسمي بذلك لأنه يصلى بالنار.
(٤) الصناب: هو الخردل بالزبيب وهو طعام يؤتدم به.
(٥) الأفلاذ: واحدتها فلذ وهي قطعة من الكبد.
(٦) أسنمة: جمع سنام.
(٧) يدهمق: من دهمق الطعام أي لينه وطيبه ورققه. انظر: في هذه المعاني غريب الحديث للهروي ٣/ ٢٦٤، والمعجم الوسيط ص ٥٢٤.
(٨) الأحقاف آية (٢٠) وأخرج هذا الأثر أبو عبيد الهروي عن الحسن البصري عن عمر - رضي الله عنه -، في غريب الحديث ٣/ ٢٦٣، وأخرج نحوه أيضا عن الحسن ابن سعد في الطبقات ٣/ ٢٧٩، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة ٢/ ٦٩٦، وهو مرسل.

<<  <  ج: ص:  >  >>