للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من صفات عباد الرحمن قيام الليل]

قال الله سبحانه -مبيناً حالهم في الليل بعد أن بين حالهم في النهار-: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً} [الفرقان:٦٤] فهذا مبيتهم يبيتون لربهم، فعملهم لله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له، لا رياء فيه، ولا سمعة فيه، وهذا مستفاد من قوله: {يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ}، حالهم دائرٌ بين القيام والسجود.

{يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً} [الفرقان:٦٤]: وكما وصفهم ربهم سبحانه: {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:١٨].

وكما وصفهم بقوله: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:١٦] لماذا؟ {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة:١٦].

وكما ذكرهم ربنا بقوله: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} [الزمر:٩] أي: يطيل القيام ساعات الليل الطويلة {سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:٩] هذا مطلبهم؛ حَذَرُ الآخرةِ وطلبُ رحمةِ الله سبحانه وتعالى، ليلهم على هذا المنوال.

هذه -يا إخوة- ليست أساطير، إنما هي سير أهل الفضل والصلاح، فهم قدوة للسالكين الذين يريدون أن يسلكوا مسلك أهل الفضل، مسلك عباد الرحمن الذين يبيتون لربهم، ليس مبيتهم في جدل طويل، وليس مبيتهم في لهوٍ وعبث، إنما مبيتهم لربهم سجداً وقياماً.

ومع هذا المبيت الطويل الذي يتقلبون فيه بين السجود والقيام والركوع، مع هذا المبيت الطويل لربهم على هذا النحو وعلى ذاك المنوال، فهم يقولون: ربنا اصرف عنا عذاب جهنم! هم يعملون الأعمال ويسألون الله القبول، لا يعملون الأعمال ويفتخرون بها، بل كما وصفهم ربهم: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:٦٠].

سألت أمُّنا عائشة رضي الله عنها نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية وقالت: (يا رسول الله! {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:٦٠] أهو الرجل يسرق ويزني ويخاف أن يعاقب؟ قال: لا يا ابنة الصديق! إنه الرجل يصوم ويتصدق ويصلي ويخاف أن لا يُقْبَل منه).

حالهم كحال إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، رحمة الله عليك يا خليل الرحمن! ترفع القواعد من البيت أنت وولدك إسماعيل وتقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:١٢٧]، ثم تطلبان من الله الثبات على الطريق حتى الممات: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:١٢٨].