من أمراض القلوب: الكبر والتعالي على الناس، وعلاجه كما سمعته: التواضع، وقد كانت الأمة تأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما في الصحاح- وتقول: إن لي إليك حاجة، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم! فتأخذ بيده وتمشي به في سكك المدينة حتى يقضي لها حاجتها، ويأتيه الرجل فيفزع منه، فيقول الرسول:(هون عليك إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة)، يأتي الرجل من البادية إلى مدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام يسأل الناس عن الرسول وهو جالس في المسجد لا يعرفه أحد، فيسأل: أيكم محمد؟ من منكم محمد عليه الصلاة والسلام؟ على ماذا يدل قول الأعرابي للصحابة أيكم محمد؟ يدل على تواضع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من تميزه، تعال انظر الآن إلى الضباط والشرطة، مستحيل أن يأكل جندي صغير مع عميد، مستحيل أن يحصل ذلك أبداً عندهم، وإذا أكل الجندي مع العميد صارت مصيبة كبرى تحل على المجتمع! جاء في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يرمي جمرة العقبة يقول الصحابي:(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة لا ضرب ولا طرد، ولا إليك إليك) بخلاف ما عليه المسئولون هذه الأيام، فهذا كله يجلب تواضعاً ينعكس أثره على القلب، ونحن نسأل أصحاب المناصب أو ضباط الشرطة إذا خرج الضابط وهو لابس الزي العسكري عليه سيفين ونجمة أو سيف ونجمتين في رتبة (لواء) كيف يجد نفسه وهو لابس هذا الزي؟ وكيف يجد نفسه وهو لابس ثوباً أبيض مثلاً؟ هو نفسه يشعر بقلبه أنه متواضع عندما يلبس ثوباً أبيض ويمشي به، وعندما يلبس الزي الثاني ينتفش وكأنه لا يوجد أحد على وجه الأرض يوازيه! نسأل مدير الشركة: كيف حاله وهو جالس على كرسي الإدارة؟ وكيف حاله وهو ماشٍ في الشارع؟ وكيف أنت -يا عبد الله- وأنت راكب على الباص ذاهب إلى الجامعة؟ وكيف حالك إذا ركبت (تاكسي مخصوص)؟ قلبك يأتيه بعض الكبر وأنت في (التاكسي المخصوص)! وقلبك وأنت في الباص متواضع، ولا أقول إنه محرم أبدا والعياذ بالله! لا يمكن أن نصف شيئا بالتحريم، لكن الكلام على مسألة كيف تجد قلبك أنت؟! وهذا من باب معالجة القلوب يا عباد الله.
سمعتم أثر عمر وهو راكب على البرذون وقال:(والله! ما نزلت من عليه حتى أنكرت نفسي)، فتخيل وقس نفسك، جرب مرتين: اذهب مرة إلى الجامعة (بالتاكسي)، ومرة إلى الجامعة بالباص، ومرة إلى الجامعة مشياً، وانظر قلبك في هذه الأحوال الثلاثة كيف يكون؟ فهذا رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام يأتي الأعرابي يبحث عنه فيسأل: أيكم محمد؟ فيقولون: هو هذا الرجل الأبيض المتكئ، الرجل الذي تراه جالساً هو محمد صلى الله عليه وسلم! بكل بساطة وبلا تكلف عليه الصلاة والسلام، فمن علاج القلوب التواضع لله سبحانه وتعالى.
ومن علاجها سماع المواعظ وذكر الله، فالله يقول في سماع القرآن:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}[الزمر:٢٣] تلين الجلود والقلوب إلى ذكر الله سبحانه.
قال العرباض بن سارية رضي الله عنه:(وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون)، فالشاهد: أن الموعظة أثرت في القلوب، فسماع الوعظ يؤثر في القلب.
أما سماع الأغاني فيقسي القلب عياذاً بالله! جرب -يا من تسمع الأغاني- اسمع مرة أغنية من الأغاني لبعض الممثلات أو المغنيات، ومرة اذهب واسمع القرآن كيف تجد القلب؟ تجد القلب يظلم عند سماع الأغاني، وتجده يخاف ويتسرب إليه الوجل إذا سمع كتاب الله سبحانه وتعالى، فجدير بنا أن نحرص على مجالس الذكر؛ فإنها مجالس خير، ترقق القلوب، وعليك دائماً أن تقلل من الكلام بغير ذكر الله؛ فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله -كما قال فريق من أهل العلم- تقسي القلب، تبقى تهذي طوال اليوم في قيل وقال، وتجيب من هنا إلى هنا! فأي كلام ليس فيه فائدة يترك على القلب صدأ ووسخاً، ومسطر عليك، وكله له نكسات، فلا يخلو القيل والقال من الاغتياب، والاغتياب ذنب، فيؤثر هذا الذنب على قلبك سواداً كما سمعتم من حديث النبي صلى الله عليه وسلم.