فهذه معشر الإخوة أنواع من المواساة لمن ابتلوا بفقدان قريب، أو لمن ابتلوا بفقدان عزيز، بأن تواصل معهم الخير الذي كان يعطى، وتواصل معهم رفع المعنويات والمحبة والمودة، وغيرها من أنواع الصلة.
المواساة مشروعة في ديننا بصور أخر، فجعلت التعزية من حقوق المسلم على أخيه المسلم، والصحيح أنها لم تقيد بزمن، ولم تخصص بوقت، فحديث (لا عزاء بعد ثلاث) لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل قد ورد ما يعكر عليه، ألا وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قتل جعفر أمهل ثلاثاً، ثم ذهب إلى أهل بيته يعزيهم، فذهب إلى أسماء بنت عميس وكان عليه الصلاة والسلام يمسح على رءوس أطفاله اليتامى، ويطمئنهم ويطمئن أمهم.
فأمهم تبكي وتخاف عليهم العيلة، أي: الفقر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مطمئناً لهذه الأرملة آنذاك (أتخشين العيلة عليهم، وأنا وليهم في الدنيا والآخرة) ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ل عبد الله بن جعفر دعوة بقيت له طيلة حياته، قال عليه الصلاة والسلام:(اللهم بارك لـ عبد الله بن جعفر في صفقة يمينه) فكان لا يبيع ولا يشتري شيئاً إلا ربح فيه، حتى التراب، فجعل الله له الربح ببركة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلزاماً علينا أن نواسي من ابتلوا بفقد أبيهم، نواسي الأيتام الذين فقدوا أباً عزيزاً عليهم، كان يدخل عليهم في يومه بما رزقه الله من فاكهة وطعام وشراب فحرموا هذا العطاء، فلابد لهم ممن يواسيهم وهذا من محاسن هذا الدين القيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة) وأشار عليه الصلاة والسلام بالسبابة والوسطى.
فليوصل كل من ابتلي، وليعز كل مصاب، وليعد كل مريض، شرعت عيادات المرضى، وشرعت التعازي في الجنائز، وشرع الرفق بالأيتام والحنو عليهم، وشرعت الشفقة على الأرامل؛ شرع كل ذلك تخفيفاً للجراح التي يبتلى بها العباد، وقد أثني على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا كله في جاهليته قبل أن يبعث عليه الصلاة والسلام، يقول أبو طالب في شأن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل