وعليك عند خطابك للناس أن تكون متواضعاً مقبلاً عليهم بوجه طلق، لا تكلمهم وأنت مصعر الخد لهم، فقد قال لقمان لولده:{وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}[لقمان:١٨]، ووصف الله صنفاً من أهل النار بقوله:{ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[الحج:٩] فثناء العطف والإعراض بالوجه أثناء الحديث، كل ذلك ينافي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل أقبل عليهم بوجه طلق أثناء الحديث معهم؛ وذلك لقول النبي عليه الصلاة والسلام:(لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط) وليشعر منك أخوك بالتواضع أثناء الحديث، فهذه رسالة سليمان عليه السلام إلى ملكة من الملوك:{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}[النمل:٣٠ - ٣١] لم يسطرها: من الملك الأعظم ملك الإنس والجن والطير، لم يسطرها بالملك الذي يفهم لغة الطير وسخرت له الرياح، ولكن قال مقالة رجل متواضع يشعر بعبوديته لله سبحانه:{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ}[النمل:٣٠]، وجرد كل المقدمات ليس من الدكتور سليمان، ولا من الملك سليمان، ولا من المهندس سليمان، ولا من الأستاذ ولا من الوزير، إنما بيسر وسهولة:{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}[النمل:٣٠ - ٣١]، ونحو ذلك صدر من رسول الله صلى الله عليه وسلم في رسالته إلى هرقل (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم)، وفي أثناء الرسالة ما يشعر بالعبودية إذ فيها:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[آل عمران:٦٤]، وكذلك قول عموم الرسل لأقوامهم:{قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[إبراهيم:١١] فهكذا عليك أن تشعر من أمامك بالتواضع له أثناء الحديث، وبخفض الجناح له أثناء الحديث، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً)، فمن تواضع لله سبحانه أعزه الله سبحانه وتعالى.