نعم يجوز لها ذلك؛ وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لـ عائشة رضي الله عنها لما حاضت:(افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت) والحاج يستحب له أن يلبي، وأن يحمد الله، وأن يكبره وأن يهلله، وأن يقرأ القرآن، فعلى ذلك: يجوز للحائض أن تفعل ذلك.
ثم أيضاً صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.
والمانعون لم يمنعوا من الذكر إنما منعوا من تلاوة القرآن، واستدلوا بحديث علي رضي الله عنه وفيه:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقضي حاجته، ثم يخرج فيقرأ القرآن ويأكل معنا اللحم، ولا يحجبه من القرآن شيء إلا الجنابة) وهذا الحديث لو صح لالتزمنا العمل به، لكنه ضعيف الإسناد ولا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحوه حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئاً من القرآن) وهذا الخبر لو ثبت لكان فاصلاً، لكنها أخبار ضعيفة لا تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم هناك فرق بين قراءة القرآن ومس المصحف، وقد ذهب أكثر العلماء إلى منع المرأة من مس المصحف، واستدلوا بدليلين: الدليل الأول: قول الله تبارك وتعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}[الواقعة:٧٩].
الدليل الثاني: ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول: (لا يمس القرآن إلا طاهر) فهذان الدليلان استدل بهما كثير جداً من أهل العلم على منع الحائض من مس المصحف، وعارض في ذلك آخرون كـ أبي محمد ابن حزم رحمه الله تعالى؛ فجوز للمرأة مس المصحف، وأجيب على الاستدلال بالآية على النحو التالي: قالوا -أعني: الذين جوزوا للحائض أن تمس المصحف-: إن الله قال: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}[الواقعة:٧٧ - ٧٩] قالوا: فقوله تعالى: (لا يمسه) عائد على الكتاب المكنون، والمطهرون هم: الملائكة، قالوا: ومما يدل على ذلك قوله تعالى: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ}[عبس:١٣ - ١٦] والسفرة هم: الملائكة، قالوا: فالكتاب المكنون هو المعني بقوله تعالى: (لا يمسه) والمطهرون هم: الملائكة.
وأجاب المجيزون لمس المصحف على حديث:(لا يمس القرآن إلا طاهر): بأن هذا الحديث لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل الطرق، هذا وجه جوازه، ولكن من باب الاحتياط نقول: إذا أرادت المرأة أن تمس المصحف فلتمسه بقفاز وهذا أبعد عن النزاع.