فنقف وقفات مع هذه الفريضة التي هي ركن من أركان الإسلام: تنعقد هذه الفريضة بقول القائل: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وبعد ذلك إن شئت أن تضيف إليها بعض الإضافات فلتضف، وإن شئت أن تثبت عليها فاثبت عليها ولازمها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لازمها واستمر عليها من بداية حجه إلى أن رمى جمرة العقبة الكبرى، فلم يؤثر عنه أنه فارق هذه الصيغة: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، أما أصحابه فكانوا يزيدون أحياناً، فمنهم من يقول: لبيك إله الحق!، ومنهم من يقول: لبيك حقاً حقاً تعبداً ورقاً، ومنهم من يقول: لبيك ذا الفواضل! لبيك ذا المعارج! ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على أحد منهم.
إنما أنكر صلى الله عليه وسلم على قوم من أهل الشرك زادوا ما لم ينزل الله به سلطاناً، فكان أهل الشرك يقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، فكانوا إذا بلغوا إلى قولهم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، يوقفهم النبي صلى الله عليه وسلم ويقول:(يا أيها الناس حسبكم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك) فيعارضونه ويعاندونه ويزيدون: إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، فيبطلون أعمالهم بهذه الصيغة، ويوردون أنفسهم النار -عياذاً بالله- خالدين فيها مخلدين بسبب زيادتهم: إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك.
فهذا هو الذي أنكره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذاً: تنعقد فريضة الحج بالتلبية، ويبدأ الإهلال بالنية المصحوبة بقوله: لبيك اللهم لبيك، أي: إجابة لك -يا رب- بعد إجابة، وسمعاً لك وطاعة يا ربي! ثم سمعاً لك وطاعة، سمعاً لك وطاعة -يا ربي- وحدك لا شريك لك، فطاعتنا لكل شخص إنما هي منبثقة من طاعتنا لله، فطاعتنا للوالدين؛ لأن الله أمرنا بها، وطاعتنا لأولي الأمر؛ لأن الله أمرنا بها، وطاعة الزوجة لزوجها؛ لأن الله أمرها بها، قال تعالى:{فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}[النساء:٣٤].
الشاهد من ذلك: أن كل طاعة تصدر منا، وكل توقير يصدر منا لأحد، فهو لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا بذلك، فامتثلنا أمره سبحانه، وإن حدث نزاع بيننا وبين شخص فالمرد إلى الله والمرجع إليه سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}[النساء:٥٩]، وطاعتنا لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام إنما هي منبثقة من طاعتنا لله عز وجل، قال تعالى:{وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}[النور:٥٤]، وقال:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}[النساء:٦٤].