أيها الإخوة الكرام: كتاب ربكم الذي بين أيديكم لا تخلو سورة من سوره في الغالب عن ذكر هذه النار؛ ولذلك أرسل الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم نذيراً ومخوفاً منها كما قال سبحانه:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}[الأحزاب:٤٥]، وقال له لما تدثر بالفراش:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ}[المدثر:١ - ٢] قم فخوف الناس مما يستقبلهم، قم خوف الناس من نار جهنم، ولذلك يقول ربنا سبحانه وتعالى في شأن نبينا محمد عليه الصلاة والسلام:{قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ}[الأنعام:١٥ - ١٦] فمن صرف عنه عذاب جنهم فقد رحمه الله، وتقول الملائكة:{وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[غافر:٩]، ولذلك كان رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام دائم الاستعاذة بالله من النار في صلواته وبعد انقضاء صلواته وفي مجالسه وطرقاته، وهل لأحد من طاقة بهذه النار؟! جرب بنفسك مرة، وقف فقط بجانب القدر وهو يغلي وقرب منه وجهك وانظر ما الذي ستجده؟ يا عباد الله! اتقوا النار كما قال رسولكم محمد صلى الله عليه وسلم، أي: اجعلوا بينكم وبينها وقاية، اجعلوا بينكم وبين النار وقايات، حتى يقيكم الله من هذه النار، وأعظم هذه الوقايات -كما لا يخفى عليكم- توحيد الله سبحانه وتعالى، فمن لم يوحد الله عز وجل واتخذ شريكاً معه دخل النار بلا إشكال، وثَم وقايات أخر، وقايات يجعلها الشخص بين نفسه وبين النار، ومن هذه الوقايات الصدقة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:(ولو بشق تمرة) فإنها تحجبك عن النار، فإن لم تجد فكما قال الرسول عليه الصلاة والسلام:(فمن لم يجد فبكلمة طيبة).
فيا معشر الإخوة! كتاب الله بين أيديكم، ولكن من هو العاقل المتدبر المتأمل؟ الفرق بينكم وبين أهل الكفر: أنكم أقررتم بهذا الكتاب وأيقنتم أنه من عند الله سبحانه، وأن نبيكم محمداً عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، هذا الفارق بينكم وبين أهل الكفر، فما بالكم لا تقبلون على هذا الكتاب، ولا تقرءونه وتنظرون ماذا يريد منكم ربكم، وماذا ينتظركم في قبوركم وعند موتكم وعند بعثكم، لم لا تدبرون القرآن هذا التدبر؟ إن النبي عليه الصلاة والسلام صح عنه أن قال:(يؤتى بأنعم أهل الدنيا يوم القيامة فيصبغ صبغة في النار ثم يقال له: يابن آدم! هل وجدت نعيماً في حياتك قط؟ فيقول: لا والله ياربي! ما وجدت نعيماً في حياتي قط)، صح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وفي غيرهما.
فجدير بكم أن تزهدوا عما في دنياكم الزائلة الفانية، فالموت يتخطف الناس من حولكم، سواءً كانوا أهل علم وصلاح، أو أهل فجور، كل يتخطف من حولكم، ويدفن بأيديكم، ويوارى أمام أعينكم، وقد قال الله سبحانه:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[الرعد:٤١]، وقد قال فريق من أهل العلم في تأويل قوله:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} أن ذلك يكون بقبض أهل العلم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من قلوب العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رءوساً -أو رؤساء- جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) وثم أقوال أخر منها: أن الناس يموتون من حولهم، وثم قول ثالث: أن البلاد الكافرة كانت تسلم وتدخل الإسلام على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام فتنقص دائرة الكفر.
فيا عباد الله: أقبلوا على كتاب الله، أقبلوا عليه إقبال العقلاء أهل الفهم الصحيح الثاقب، واسألوا ربكم العون والتوفيق، والله المستعان.