تجد أقسى الناس قلوباً اليهود؛ لأنهم نقضوا العهود مع الله، فقال تعالى في شأن اليهود:{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ}[المائدة:١٣] في شأن اليهود {لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}[المائدة:١٣] يمسكون بالمسلم أو غير المسلم فيضربونه، تصيح أو ما تصيح، ما في قلبه رحمة، أصبح القلب كما قال تعالى:{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}[البقرة:٧٤]، لا يلين أبداً، تتوقع أنك ستعتذر إليه يلين قلبه لك، هذا ممتنع عندهم تماماً، أما قلب المؤمن فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(قلب رقيق لكل ذي قربى ومسلم).
قسوة القلوب علاجها الاستغفار والوفاء بالعهود والمواثيق، فالاستغفار كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:(تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فأيما قلب أشربها) أي: قبل هذه الفتن (نكت فيه نكتة سوداء، وأيما قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير القلوب على قلبين:) ينتهي الأمر إلى قلبين: (قلب أسود مرباداً كالكوز مجخياً) يعني: قلب مثل الكوز أسود من داخله ومقلوب، لا يستمسك بأي خير؛ لأنه مقلوب على وجهه، لا يوجد خير يثبت فيه، وآخر (أبيض كالصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض) أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالذنوب التي تتوارد عليك يومياً تحتاج منك إلى جهاد وغسيل لها، كما يذهب مريض الكلى إلى الغسيل الكلوي، وهكذا على مريض القلب وكلنا مرضى، نسأل الله أن يعافينا وإياكم! كلنا يذنب يومياً، على كل منا أن يصنع ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح (إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم مائة مرة) وفي رواية (إني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة) وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد: رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الغفور، سبعين مرة) يقولها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يغسل ما على قلبه صلى الله عليه وسلم، فنحن أكثر ذنوباً ولا شك من نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، فنحتاج إلى استغفار، ولن يكلفك ذلك خمس دقائق {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ}[النساء:١٤٧]؟ ماذا سيستفيد الرب سبحانه وتعالى من تعذيبك إن شكرت وآمنت؟! فعلى المسلم أن يكون ذكيا، وفطنا، يعرف من أين تأتي له الابتلاءات وكيف يرفعها، فالمصائب التي تحل عليك -يا عبد الله- من وجهين: إما أن تكون مصيبة تحل بك من أجل أنها ابتلاء من الله، يبتليك الله لينظر: هل تصبر فتثاب أو لا تصبر؟ والله أعلم.
وإما أن تأتيك مصيبة بسبب ذنوبك، فإذا كنت خفيفاً لا تشعر بأنك مذنب ومسرف على نفسك، وتشعر أنك مطيع لله، فالنفس أحياناً تكون نشيطة خفيفة من الذنوب والآثام، فإذا كنت في هذه الحال نشيطاً لا ترى أنك مذنب -وكلنا مذنب- خفيفاً من الذنوب والآثام، وأصبت بمصيبة، فعليك أن تعلم أن هذه المصيبة في الغالب ابتلاء من الله سبحانه وتعالى يختبر صبرك، فتصبر كما صبر أيوب إذ قال الله عز وجل لما ابتلاه:{إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}[ص:٤٤] هذا نوع.
مصائب أخرى تأتيك بذنوبك، قال سبحانه:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ}[الشورى:٣٠]، فالمصيبة الأولى يلزمها صبر، والثانية يلزمها استغفار، فمن فوائد الاستغفار: أن الله يرفع عنك البلاء، ويبيض الله عز وجل به قلبك.