إن الله سبحانه أخذ العهود والمواثيق على من أوتوا علما أن يبينوه للناس ولا يكتموه، فقال الله:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}[آل عمران:١٨٧]، ولقد قال ربنا -وهي أشد على من أوتي علماً- في كتابه {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}[المائدة:٦٣].
فنظرة إلى ما يجري حولنا من أمور الانتخابات نجد أنه فيها كلٌ يدلي بصوته، فالرجل يدلي بصوته، والمرأةٌ تدلي بصوتها، والمسلمٌ يدلي بصوته، والكافرٌ يدلي بصوته، والفاسق الفاجر يدلي بصوته، وكل هذا لا وجه له في الشريعة الغراء، فليس في الشريعة الغراء لكافر وجه في الإدلاء بصوته، وليس في الشريعة الغراء أن فاسقا فاجراً سكّيرا عربيدا يدلي بصوته، وفي الشريعة الغراء فرق بين الرجل والمرأة، ثم إذا رجعنا إلى عهد سلفنا الصالح لم نر تلك الانتخابات بهذا التوصيف، لا على عهد أبي بكر، ولا عمر ولا عثمان، ولا علي، ولا غير هؤلاء.
والعلماء يقولون: تنعقد الخلافة بأحد أمور أربعة: الأمر الأول: أن يكون هناك نص من الكتاب والسنة على واحد بعينه، فهذا لا محيد عنه.
ولكن هذا لم يعد متحققاً بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد تمام لدين، وكان هذا في الأمم من قبلنا؛ إذ الله تعالى قال:{يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ}[ص:٢٦]، وكذلك كانت بنو إسرائيل تسوسهم أنبياؤهم.
الأمر الثاني: أن تجتمع في الخليفة صفاتٌ تؤهله لذلك سماها نبينا، وبينت في كتاب ربنا سبحانه وتعالى، ثم يبايع أيضاً من قِبل أهل الحل والعقد من المسلمين.
الأمر الثالث: أن يأتي إلى السلطة بالقوة، فيحكم الناس عنوةً ويقيم الشرع، فهو ما وصل إلى مقامه باستخلاف رشيد، وإنما وصل بالقوة وهو يقيم الشرع، فقال كثير من العلماء -كما نقل عنهم القرطبي: -: يسمع له ويطاع في المعروف حقناً لدماء المسلمين.
الأمر الرابع الذي يتأتى به الاستخلاف -كما قال العلماء-: أن يستخلف خليفة راشد خليفة راشداً آخر، كما استخلف أبو بكر عمر رضي الله عنه.
ومن الجدير بالذكر أن عمر في مرض موته لما طُعن أتاه القوم فقالوا له: استخلف يا أمير المؤمنين.
قال: إن أترك -أي: إن أترك الناس بلا استخلاف- فقد ترك من هو خيرٌ مني رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول لم ينص صراحة على استخلاف أحد، وإنما استفاد بعض العلماء من الإشارات استخلاف أبي بكر في حديث:(مروا أبا بكر فليصلِ بالناس)، واستفاد بعضهم استخلاف علي لحديث:(أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)، والحق أنه لم يستخلف؛ لقول عمر: (إن أترك فقد ترك من هو خيرٌ مني، وإن أستخلف فقد استخلف من هو خيرٌ مني -يعني: أبا بكر -، ثم قال: لكني أترك الأمر شورى في هؤلاء الستة الذين مات الرسول وهو عنهم راض، فسمى عثمان وعلياً وطلحة والزبير وسعداً وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم، فهذه الأمور الأربعة التي ذكرها علماؤنا للوصول إلى الحكم.