للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم تصدق المرأة من مالها أو مال زوجها]

وهل من حق الزوج أن يمنع زوجته من التصدق من مالها الخاص بها إلا بإذنه؟ هذه المسألة جمهور العلماء فيها على أنه ليس للزوج أن يمنع زوجته من أن تتصدق بمالها إذا شاءت أن تتصدق، وقد جاء في هذا الباب جملة من الأدلة العامة والخاصة، فمن الأدلة العامة على ذلك قوله تعالى: {وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ} [الأحزاب:٣٥] وقال في آخر الآية: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٣٥] وعموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة:٢٦٧] وهي مخاطبة بقوله تعالى في الآية: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)).

وأدلة خاصة في هذا الباب منها ما ورد في الصحيح من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد ثم اتجه إلى النساء فقال: (يا معشر النساء! تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار، قلن: وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير).

الشاهد: (فقامت المرأة تلقي خرصها في حجر بلال، وبلال يجمع الصدقات) ونحوه في حديث جابر ونحوه في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهم جميعاً، فهذه الأحاديث أفادت أن النبي لما حثهن على الصدقة بادرن بالصدقة، ولم يرد أنهن ذهبن إلى الأزواج فاستأذن الأزواج للتصدق إنما بادرن بإلقاء الصدقة في ثوب بلال.

وقد ورد في هذا الباب من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحل للمرأة عطية من مالها إلا بإذن زوجها)، فهذا الحديث أشكل على بعض أهل العلم لتعارضه مع العمومات التي ذكرت من أن النسوة قمن فتصدقن في حجر بلال، وبالنسبة لإسناد هذا الحديث فهو من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والمقرر عند أهل الحديث أن هذا الإسناد حسن إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه، أما إذا عورض بما هو أقوى منه، فالأمر كما قال الإمام أحمد: إن أهل العلم إذا شاءوا أن يحتجوا برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده احتجوا، وإن شاءوا أن يردوا رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ردوها.

هنا يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في خبر عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة عطية من مالها إلا بإذن زوجها) قال: هذا الخبر ليس بثابت عندنا، ثم هو مخالف للكتاب، ثم هو مخالف للسنة، ثم هو مخالف للأثر، ثم هو مخالف للمعقول، والأمر كما قال الشافعي رحمه الله تعالى.

وحمله بعض أهل العلم على الأدب لا على الإيجاب، وعلى التوادد والتراحم، فإن المرأة إذا تصدقت من مالها بغير إذن زوجها كان في نفس الزوج شيء، قالوا: قد يدفع هذا الشيء إلى التحسس إذ العلاقات بين الزوجين مبنية على التوادد والتراحم، كما قال الله سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:٢١].

ثم ننتهي إلى شيء آخر: هل للمرأة أن تتصدق من مال زوجها من بيته بغير إذنه التحرير يقتضي أن ذلك مبني على حجم الصدقة، وعلى الأعراف السائدة، وذلك لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة فلها النصف، وللخادم النصف، وللزوج مثل ذلك) فقيد الإنفاق هنا بغير الإفساد، فمثلاً في اصطلاحاتنا إذا كانت المرأة تخبز خبزاً ومر بها فقير فناولته رغيفاً فلا بأس بذلك؛ إذ الأعراف قد جرت على ذلك، ثم إنها إن امتنعت وصفت في أوساط النساء بالشح، وبالبخل، وقد جاءت الشريعة الغراء بحفظ الأعراض من سيئ الأوصاف.

(وللخادم): الخادم الذي يكون في بيوت الأثرياء القائم على المخزن، أحياناً الزوجة تقول له: أعط هذا السائل كذا، فمن الخدم من هم بخلاء، ومنهم من هم كرماء يفرحون بأمر سيدهم لهم، أو بأمر صاحب البيت لهم بالإنفاق، أما الإفساد فالأمر فيه ليس على ذلك.

ثم: هل من حق الزوج أن يقبل من زوجته صدقة عليه؟ أي هل للزوجة أن تتصدق على زوجها، أو ليس لها ذلك؟ الأموال التي يأخذها الزوج من زوجته إما كهبات تهبها الزوجة لزوجها، جائز له أخذها، فإن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء:٤] وفي قوله هذا فقه للعطاء، فلا ينبغي للمرأة أن تعطي للزوج كل صداقها، بل إن أعطته تعطيه شيئاً وتدخر شيئاً لنفسها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في الحديث: (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) فقال: (دينار أنفقته على نفسك ودينار أنفقته) إلى آخر الحديث لكن أفضلها دينار (أنفقته على نفسك)، فإن وهبت المرأة شيئاً لزوجها فلا تهبه كل صداقها إنما تهبه بعض الصداق لقوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء:٤].

كذلك في قوله جل ذكره: {فَإِنْ طِبْنَ} [النساء:٤] أي: إن طيبت المرأة نفساً بالعطاء فكله هنيئاً مريئاً، أما إذا احتلت أنت أو ضغطت عليها كي تعطيك الأموال أو ابتززت أموالها بأي صورة من الصور فالله يقول: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البقرة:٢٢٩] فلا يحل مال امرأة مسلم إلا عن طيب نفس منها، فليس للزوج أن يأخذ من مال زوجته شيئاً إلا عن طيب نفس، للآية الكريمة: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} [النساء:٤]، ولقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي صحح بمجموع طرقه: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه) فإذا وهبت المرأة شيئاً من مالها لزوجها جاز للزوج أن يقبل هذا المال، إذا طيبت نفساً بذلك، لكن هذا هو الشق الأول من الأموال، أو النوع الأول من الأموال التي تعطيها الزوجة لزوجها.

ثم صدقة النفل: هل للزوجة أن تتصدق صدقة نفل على زوجها؟ نقل الصنعاني رحمه الله تعالى في سبل السلام الإجماع على جواز ذلك، أي: على جواز تصدق المرأة صدقة النفل على زوجها، أما صدقة الفرض ففيها شيء من الخلاف، والراجح أن صدقة المرأة صدقة الفريضة على زوجها جائزة إذا كان من المصارف الثمانية.