[تعليم الأولاد حسن الخلق]
ومما يربى عليه الأبناء: حسنالخلق: فلا تعلم ولدك سباب أمه كما يفعل الجهلة والذين لا يعلمون، فتجد الوالد الغبي يفرح بولده الذي يسب أمه، وتفرح الأم الجاهلة بابنها الذي يسب أباه، ولا يشعران أن هذا إثم عليهما، وفيه شرٌ عليهما.
علم ولدك احترام الكبير، وحقوق الكبير بينها له: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يوقر كبيرنا)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أراني الليلة في المنام وأتيت بسواك كي أتسوك به، فناولته لصغير فقيل لي: كبر -يعني: أعطه الأكبر-)، وجاء رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب أحدهما يتكلم وكان هو الأصغر، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (كبر كبر) يعني: الكبير هو الذي يتكلم.
فلزاماً أن تعلم ولدك حق الكبير، فعلمه إذا التقى بكبير أن يبدأ الكبيرَ بالسلام -الصغير يسلم على الكبير- كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يسلم الصغير على الكبير)، فالصغير هو الذي يبدأ.
وعلمه خدمة الأضياف كما كان أبو بكر يعلم ولده عبد الرحمن، إذ يرسله بالأضياف كي يخدمهم ويقوم عليهم.
أيضاً: أعط ولدك حقه الذي شرع له، فكان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً ذات يوم وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فأوتي النبي بشراب فاستأذن الغلام، في أن يسقي هؤلاء الذين هم عن يساره؛ فإنه عن اليمين وله حق في ذلك وكان عن اليسار أبو بكر وعمر وأقوام من كبار الصحابة، وعن اليمين غلام، فتخيل سيد ولد آدم يستأذن هذا الطفل الصغير، فيقول الغلام: لا يا رسول الله! لا أوثر بنصيبي منك أحداً.
أي: أنا أريد أن أشرب بعدك يا رسول الله! شفتاي تأتي في موطن شفتيك يا رسول الله، ويصر الطفل فيجيبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى طلبه ويسقيه.
وقد مرض غلام من اليهود كان يخدم رسول الله، فانطلق إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته فيزوره الرسول يعود غلاماً صغيراً مرض في البيت، تخيل الروح المعنوية التي ترتفع في الطفل لما يرى زميلاً لأبيه جاء يزوره، جاء صديق الأب يزور الولد الصغير في البيت وأتى للطفل بهدية صغيرة، تخيل مدى تأثير هذه الهدية على الطفل، فذهب محمد عليه الصلاة والسلام إلى بيت رجل يهودي.
لماذا يطرق الرسول صلى الله عليه وسلم البيت على هذا اليهودي؟ ماذا تريد يا محمد؟ فيقول: أريد أن أزور ابنك الصغير، فيدخل الرسول صلى الله عليه وسلم يزور الولد الصغير وهو مريض فيقول له: (قل لا إله إلا الله) أي: أسلم، فينظر الولد إلى أبيه فيقول أبوه له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، فيقول الولد: لا إله إلا الله، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله الذي أنقذه بي من النار).
فعلم ولدك حفظ السر، وقل له: لا تنقل كل شيء تراه أو تسمعه.
فهذا أنس يقول: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر فأسر إلي به وأنا صغير، فسألتني أمي - أم سليم - إلى أين تذهب؟ فقلت: ما كنت لأفشي سر رسول الله، فقالت له: إذاً لا تفشي لأحدٍ أبداً هذا السر الذي علمك إياه أو أخبرك به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فينبغي أن تعلمه حفظ الأسرار وعدم نقل أسرار البيت إلى الخارج فكل بيت له عورات، قل له: لا تنقل كل ما تراه أو تسمعه، فهذا خطأ، وأدبه بهذا الأدب الذي كن الصحابيات يؤدبن به أبناءهن.
قل له إذا رفع صوته أمام أمه أو أخته أو أخيه: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:١٩] كما قال لقمان صلى الله عليه وسلم لابنه، فلا تترك الولد يعبث بالبيت ويصيح ويجري هنا وهنا ويبطش بهذا وبذاك بل أدبه، فإذا لم يجد معه التأديب بالكلام فانتقل إلى ما هو أشد من الكلام إن احتاج الأمر إلى ذلك.
وقد ورد حديثٌ في هذا الباب صححه بعض أهل العلم (علق السوط حيث يراه أهل البيت)، أي: ضع العصا في مكان حيث يراه أهل البيت من الأطفال، فهناك أطفال نظرة واحدة تكفي لزجرهم، وأطفال آخرون لا يكفي النظر، ولا يكفي الكلام لزجرهم بل يحتاج معهم إلى نوع من التأديب سواءً باليد أو بالضرب ونحو ذلك، فالله لا يحب الفساد، فلا يترك الولد يسرق ويعبث ونقول: نحتاج إلى أدلة خاصة، بل الأدلة العامة تضبط لنا هذه القضية، فمنها: قوله تعالى: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة:٢٠٥].