جاء عمرو إلى مدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام فعرفه الرسول ولم ينسه عليه الصلاة والسلام، وقربه إليه، فبدأ الرجل يسأل عن حاجته ويتعلم دينه، فقد كان في بادية وأهلها جهلاء، فسأل عن أهم الأمور بعد الشهادتين، سأله عن الصلاة، والظاهر أنه سأله عن مواقيتها؛ بدليل جواب النبي عليه الصلاة والسلام، قال له:(صل الصبح ثم أقصر عن الصلاة) أي: امتنع عن الصلاة (حتى تطلع الشمس؛ فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان)، فلا نفل بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وحتى ترتفع في السماء قدر رمح؛ ذلك (لأنها تطلع بين قرني شيطان، والكفار حينئذ يسجدون لها)، وقد نهينا عن مشابهة الكفار في صنائعهم، حتى لا يظن ظان أن ساجداً يسجد للشمس، وكذلك حتى لا يتعاظم الشيطان ويتعالى أثناء صلاة الناس وقت طلوع الشمس، إلا أن فريقاً من أهل العلم يستثني بالنص ذوات الأسباب من الصلوات؛ وذلك لأن الرسول عليه الصلاة والسلام صلى ركعتي الظهر بعد العصر لما شغله وفد عبد القيس عنها، ولأن النبي عليه الصلاة والسلام قال:(يا بلال! أخبرني عن أرجى عمل عملته؛ فإني سمعت دف نعليك في الجنة؟ قال: يا رسول الله! ما توضأت وضوءاً ولا تطهرت طهوراً في ساعة من ليل أو نهار إلا وصليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي).
ولحديث:(يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحداً طاف بالبيت وصلى في أي ساعة شاء من ليل أو نهار)، فدلت هذه النصوص على جواز صلاة ذوات الأسباب في أوقات النهي.
ثم رخص الرسول في الصلاة حتى وقت الزوال حيث قال:(حتى يستقل الظل بالرمح، ثم إذا رأيت للتلول فيئاً فصلِّ؛ فإن الصلاة مشهودة محضورة، ثم إذا جاء وقت العصر وصليت العصر فأقصر عن الصلاة حتى تغرب؛ فإنها تغرب بين قرني شيطان، ثم صلِّ فإن الصلاة مشهودة محضورة).
ثم بيّن له النبي فضل الوضوء لما سأل عنه، وأن الخطايا تخرج مع الماء أو مع آخر قطر الماء تخرج خطايا الفم والأنف، والعينين، وتخرج خطايا الرأس والأذنين، وتخرج خطايا الأيدي والأرجل؛ كل ذلك بسبب الوضوء، فكما قال عليه الصلاة والسلام:(الطهور شطر الإيمان)، وكما قال عليه الصلاة والسلام:(أولا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؛ إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط).
ثم بيّن النبي صلوات الله وسلامه عليه فضل صلاة ركعتين، بشرط أن تقبل فيهما بوجهك على الله سبحانه، وتقبل فيهما على الله بقلبك، وتجمع قلبك عليهما وعلى القراءة والاستغفار والذكر فيهما، فإنك إن فعلت ذلك خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك.