للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حث لقمان ولده على التواضع]

يقول لقمان لولده ناهياً عن الكبر حاثا على التواضع: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} [لقمان:١٨] أي: لا تكلم الناس وأنت معرضٌ عنهم بوجهك، بل كلمهم وأنت مقبل بوجهك عليهم.

كما قال عليه الصلاة والسلام: (لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط)، قال: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} [لقمان:١٨]، بل كلمهم ببشاشة وطلاقة وجهٍِ وإقبالٍ عليهم، فهكذا يعلم لقمان ولده.

قال تعالى عن لقمان: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} [لقمان:١٨] أي: لا تمش مختالاً متعالياً، {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان:١٨] قال تعالى عن لقمان: ((

الجواب

=٦٠٠٣٤٨٧>> وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} [لقمان:١٩]، والمراد: الاعتدال في المشي غير الإسراع الزائد المخل بالتوازن، وغير مشية البطيء المتمارض، وهذا وجهٌ، كما قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:٦٣]، فالمشي المتوسط مشي لا تكاد معه تسقط ويختل منك التوازن، ولا مشية المريض المتباطئ، بل التوسط مطلوب.

وهناك وجهٌ آخر أن المعنى: (واقصد في مشيك)، أي: اقتصد في أعمالك فالاقتصاد والسمت الحسن جزءٌ من ستة وأربعين جزءاً من النبوة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.

قال تعالى: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:١٩]، فليس من الأدب رفع الصوت.

قال فريق من العلماء: إن الحمار يبدأ بزفيرٍ لا يبدأ بشهيق، فيكون صوته أسوأ الأصوات وأعلاها، ورفع الصوت تشبه عن التشبه بالحمير.

فالوصايا بدأت بعظائم الأمور، فبدأت بالنهي عن الشرك، وانتهت بآداب وأخلاق ومعاملات، وصدق سلمان لما قالت له اليهود: يا سلمان! نرى نبيكم يعلمكم كل شيء، فهل علمكم الخراءة -أي: كيف تقضون الحاجة-؟ قال: أجل علمنا نبينا كل شيء، وعلمنا نبينا كيف نقضي حاجتنا إذا دخلنا الخلاء وذكر طرفا من آداب ذلك ومنه: (ألا نستقبل القبلة ببول أو غائط ولا تستدبر، ولا نستنجى باليمين، وعلمنا الإيتار عند الاستنجاء)، وذكر جملة الآداب رضي الله تعالى عنه.

فهذا وعظٌ مستقى من كتاب ربكم، فاقرءوا كتاب الله قراءة المتدبر الذي يريد أن يعمل، لا قراءة المتصفح المتفكه بما في الكتاب من قصص وحكايات، بل اقرءوا كتاب ربكم قراءة العامل المتدبر، وقراءة قارئٌ يقرأ ليفقه ثم ليعمل، ثم لينجو أمام ربه، وليكون القرآن حجة له لا عليه، أسأله جل وعلا أن يجعل كتابه حجة لنا جميعاً لا حجة علينا.