للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اعتراف إخوة يوسف بذنبهم]

قال الله: {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} [يوسف:٩٥] أي: ما زلت تخرف هكذا، {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} [يوسف:٩٦ - ٩٧] هكذا قال واعترف الظالم بظلمه، واعترف بخطئه وإن لم يكن ثَم اعتراف في الدنيا فثَم اعترافات يقينية في الآخرة، فيومها وحينها تبلى السرائر، فليطمئن كل مظلوم إلى نصر الله له في الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.

{قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يوسف:٩٨] لماذا أخر الاستغفار؟ بعض العلماء يذكرون أنه أخر الاستغفار لساعة هي أرجى في الجواب كالثلث الأخير من الليل، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينزل إلى سماء الدنيا إذا كان الثلث الأخير من الليل، فيقول: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فأجيبه؟ حتى يطلع الفجر).

{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف:٩٩] {آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} ضمهم إليه، {وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ} من أهل العلم من أخذ من قوله {ادْخُلُوا مِصْرَ} أنه استقبلهم خارج البلاد ولم يجلس على الكرسي حتى دخلوا عليه، ولكن استقبلهم خارج البلدة مرحباً بهم، لا كما يفعل الجهلة الذين لا يعلمون إذ يتبرءون من أقوامهم إذا تقلدوا مناصب، فَثم شاب أهله ينفقون عليه كبير أموالهم حتى يتخرج ويصبح طبيباً على سبيل المثال، أو يصبح من ذوي المناصب العالية، فإذا بلغ هذا المنصب تنكر لأهله وعشيرته، فإذا جاءه أهله من البادية تنكر لهم، فيأتيه أبوه ليعالجه فيقول: ماذا تريد.

يعامل أباه وكأنه رجل غريب، ويستحي من والده الفقير أمام زملائه الأطباء أو الوزراء، لكن يوسف لم يكن كذلك عليه الصلاة والسلام، بل علّمنا إكرام العشيرة، فللأقارب حق {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} [الإسراء:٢٦] {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} [النساء:٣٦] فذووا القربى لهم حق يجب أن نؤديه.