إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده رسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد: أقسم الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بقوله: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}[الليل:١ - ٣]، يقسم الله سبحانه وتعالى بهذا كله على شيء ألا وهو:{إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}[الليل:٤] أي: السعي الذي نقوم به في حياتنا الدنيا متنوع ومختلف ومتعدد، فمنا من يسعى للآخرة، ومنا من يسعى للدنيا، منا من يسعى لطلب المال والجاه في الحياة الدنيا، ومنا من يسعى لرفعة درجاته في الآخرة، منا من يسعى في أعمال البر والصلاح، ومن الناس من يسعى في أعمال الشر والفساد، وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى}[النجم:٣٩ - ٤١]، فأفادة الآية الكريمة أن السعي الذي نقوم به في دنيانا سنراه في أخرانا، كما قال تعالى في الآية التي سمعتموها:{وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى}[النجم:٤٠ - ٤١]، فمنا من سعيه مشكور، كما قال الله سبحانه:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ}[الأنبياء:٩٤]، وفي هذا أيضاً يقول تعالى:{وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا}[الإسراء:١٩]، وقال الله في شأن أقوام آخرين:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}[الكهف:١٠٣ - ١٠٤]، فلابد من أن نرى جزاء سعينا كما وعد ربنا، فهو أصدق القائلين سبحانه وتعالى، وكذلك لا بد أن تبلى السرائر كما قال ربنا سبحانه وتعالى، والحَكَم على السعي الصالح المحمود المشكور والسعي الباطل المردود هو كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أراد أن يتقن السعي فلينظر إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ففيهما الحكم على سعيك، هل هو سعي مشكور يشكره لك ربك سبحانه وتعالى أم هو سعي باطل مردود؟ ولذلك كان لزاماً علينا كي نتقن العمل أن نتعلم كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، فليس كل عامل يثاب على عمله، بل هناك من يعمل ويعاقب على هذا العمل؛ فالله سبحانه وتعالى ذم المرائين في كتابه، وبين أنه قد أحبط عملهم، وكذلك ذمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في سنته، قال سبحانه في شأنهم:{وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}[الفرقان:٢٣]، وقال الله في الحديث القدسي:(من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
فجدير بنا في كل عمل من أعمالنا أن نتعلم كيفية إتقان العمل من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكثير من الناس يتقنون أمر دنياهم أيما إتقان، يسهرون الليل والنهار لإتقان أمور دنياهم؛ لنيل المراتب العلية في الدنيا، ولنيل المال الوفير في الدنيا، ويغفلون تمام الغفلة عن إتقان العمل للآخرة، وقد تقدم شيء مما يتعلق بإتقان العمل في الصلاة.