ومن تربية الأبناء أن تجتهد أن ترسم في ذهن ولدك مناظر البر وأعمال الخير، فخذه معك للحج أو للعمرة إذا وسع الله عليك، فقد رفعت امرأة صبياً لها وقالت:(يا رسول الله! ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر) فإذا أخذت ولدك -المميز خاصة- إلى الحرم وحببته في الكعبة وفي الطواف حول الكعبة، ووقفت به على الصفا والمروى، ونزلت به وشربت من زمزم أنت وهو، وارتسمت في ذهنه هذه المناظر؛ كنت أنت مأجور؛ لأنك تعلم ولدك الخير وتملأ قلبه وسمعه وبصره وفؤاده بلبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك.
وهل تستوي أنت مع من أخذ ولده إلى المصيف ورأى العراة والعرايا، أو من أخذه إلى السينما ورأى الفساد العريض، أو إلى المسارح ووجد فيها هذا الفساد المدمر؟ أو هل تستوي أنت مع من أخذ ولده إلى النادي يشجع الكابتن فلان والكابتن فلان؟ لا يستويان {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ}[السجدة:١٨]، {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ}[ص:٢٨]{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[الجاثية:٢١]، إذا سويت بين الرجل الذي يأخذ ولده ويمرنه على صلاة الفرض والنفل والتراويح، ويعوده على صلاة الجنائز في الحرم، والطواف حول البيت العتيق، ويريه مقام إبراهيم وحجر إسماعيل، ويريه الركن اليماني، ويعلمه الدعاء ورمي الجمار، بمن مرن أولاده على شرب الخمر، وأرسل ولده يشتري له السجائر، أو المخدرات فهذا ظلم عظيم.
يقول الحسن بن علي وقد كان صغيراً في زمان رسول الله:(حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم تمرة في فم الحسن بن علي من تمر الصدقة فنزعها من فِيه، وقال:(كِخ كخ، أما علمت إنَّا آل محمد لا نأكل الصدقة) انظر إلى هذا الورع وهو طفل صغير غير مكلف، لكن مع ذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يقره على أن يدخل في بطنه لقمة لا تحل له، فقال:(كخ كخ، أما علمت إنَّا آل محمد لا نأكل الصدقة) فانظر إلى تصرف رسول الله مع الحسن! ينزل مرة من على المنبر وهو يخطب للناس الجمعة فيحتضن الحسن ويقبله، ثم المرة الثانية يستخرج التمرة من فيه، فالمباح لا بأس بالإقبال عليه وعمله، والمحرم يجب أن يوقف عنده ولا يتمادى معه.