فيا معشر الإخوة! قدموا استغفاراً طويلاً لأعمالكم، ولا تيئسن أحد من رحمة الله مهما قدم وأسرف، قال تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر:٥٣] وقال الخليل إبراهيم صلى الله عليه وسلم: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}[الحجر:٥٦]، وقال حفيده يعقوب عليه السلام:{إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ}[يوسف:٨٧]، فلا تيئسوا أبداً من رحمة الله، مهما قدمتم، فللتوبة باب مفتوح لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.
واعلموا أن ربكم يفرح برجوعكم إليه كما قال عليه الصلاة والسلام وأقسم على ذلك:(والله لله أفرح بتوبة عبده من رجل كانت معه راحلته في أرض فلاة، عليها زاده وطعامه وشرابه، فأضل راحلته وعليها الزاد والطعام والشراب فبحث عنها فلم يجدها، فلما يئس من رجوعها، نام مستسلماً للموت، واضعاً خده على يده، ينتظر الموت، فأفاق من نومه فإذا براحلته عند رأسه، فقال من شدة فرحه: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) فربنا أفرح برجوع عبده إليه من هذا الذي أضل راحلته ثم وجدها.
فلا ييئسن أحد من رحمة الله، ولا يقنطن أحد من رحمة الله، قال الشيطان لله عز وجل:(وعزتك يا ربي لا أبرح أغوي العباد مادامت الأرواح فيهم، قال تعالى: وعزتي لا أبراح أغفر لهم ما استغفروني).
فلا ينبغي أن تقنط ولا أن تيئس أبداً من رحمة الله، ولا أن تقنط غيرك ولا أن تُيئسه من رحمة الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(كان في بني إسرائيل رجلان متآخان، وكان أحدهما مسرفاً على نفسه والآخر عابداً، فكان العابد لا يرى المسرف على ذنب إلا ويذكره: اتق الله، دع ما تصنع، لا يحل لك، وفي يوم قال له هذه المقولة وقد رآه على ذنب، فقال المسرف على نفسه: يا هذا خل بيني وبين ربي عز وجل، أبعثت عليَّ رقيباً؟ فقال هذا العابد والله لا يغفر الله لك، قال تعالى: من ذا الذي يتألى عليَّ أن لا أغفر لفلان، اذهب فقد غفرت له وأحبطت عملك) فحبط عمل العابد إذ تألى على الله وأقسم أن الله لا يغفر لفلان.
بل والنبي صلى الله عليه وسلم قال له ربه:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}[آل عمران:١٢٨].
فلا تقنطوا أحداً من رحمة الله، ولا يخفى على أحد حديث قاتل التسعة والتسعين، سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُل على راهب فأتاه، وقال له: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً، فهل له من توبة؟ قال: لا، فقتله فأتم به المائة، وهذا من سوء الفقه، من خطأ العبادة بلا علم وبلا فقه، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُل على عالم فأتاه، قال له: إني قتلت مائة نفس، فهل لي من توبة؟ قال: سبحان الله، ومن الذي يحول بينك وبينها؟ ولكن اترك أرضك -أرض السوء- واذهب إلى أرض كذا وكذا، ففيها قوم من أهل الصلاح يعبدون الله فاعبد الله معهم، ففعل ما أُمر به، ولكن مات في نصف الطريق.
فحضرته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فاختصموا في أمره، قالت ملائكة الرحمة: رجل أقبل بقلبه إلى الله تائباً، قالت ملائكة العذاب: رجل قتل مائة نفس ولم يعمل خيراً، فاختصموا فيه، فأوحى الله إليهم أن يتحاكموا إلى أول من مر بهم، فأرسل الله إليهم ملكاً، فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أقرب فهو من أهلها، فقاسوا ما بين الأرضين، وكان من قدرة الله أن الرجل نأى بصدره إلى أرض أهل الصلاح قيد شبر، فوجدوه أقرب إلى أرض الصلاح بشبر، فتلقته ملائكة الرحمة.
فلا ينبغي أن ييئس أحدٌ من رحمة الله، ولا أن يُيئس شخصاً من رحمة الله، في الصحيح أن الصحابي الملقب بـ حمار، هذا الصحابي كان يكثر من شرب الخمر، فيؤتى به فيجلد، ثم يعود فيؤتى به فيجلد، حتى قال بعض الصحابة: لعنك الله ما أكثر ما يؤتى بك، قال عليه الصلاة والسلام:(لا تلعنوه فإنه ما علمت يحب الله ورسوله) وفي بعض الروايات: (لا تكونوا عوناً للشيطان على إخوانكم).