[أهمية تعبير الرؤى]
لا يقللن شخص من قيمة الرؤيا، فقد ثبت في البخاري ومسلم من حديث سمرة بن جندب أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا صلى الفجر سأل أصحابه: (هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا؟) فيقصون عليه رؤاهم فيؤولها لهم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقال لهم ذات يوم: (هل رأى أحد منكم رؤيا البارحة فسكتوا؟ فقال: لكني رأيت الليلة عجباً)، فطفق عليه الصلاة والسلام يقص عليهم رؤيا طويلة مفادها إيراد أنواع من العذاب لمرتكبي بعض الكبائر، ومن أمعن النظر فيها يجد أن كل من عصى الله بجارحة من الجوارح فتعذب تلك الجارحة منه، فإذا عصيت ربك بفمك عُذبت فيه، وإذا عصيت ربك بفرجك عُذبت فيه، وإذا عصيت ربك بعقلك وبرأسك عُذبت فيه، وهكذا.
ففي هذا الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً مستلقياً على قفاه وآخر معه صخرة، فيأتي بالصخرة ويضرب ها رأس هذا المستلقي فيتكسر الرأس، وتتكسر الصخرة، ثم يرجع هذا الضارب يجمع تلك الصخرة المتفتتة، فيجد الرأس قد التأم، فيكرر نفس العمل السابق، فيكسر الرأس وتتكسر الصخرة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا الذي أرى؟ فقيل له: هذا الذي يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة.
فهذا جزاء الرافض لكتاب الله النائم عن الصلاة المفروضة.
ثم مر عليه الصلاة والسلام على قوم رجال ونساء في مثل التنور، يأتيهم لهب من أسفل منهم، فيحرق هذا اللهب فروجهم، فيُسمع لهم صياح، وتسمع لهم ضوضاء، فسأل: من هؤلاء؟ قال الملكان: هؤلاء الزناة والزواني من أمتك يا محمد.
فانظر إلى هذا الذي استمتع بفرجه في الحرام، وإلى تلك البغي التي استمتعت بفرجها في الحرام كيف تطهر في الآخرة؟ نار ولهب تحرق تلك الفروج العاصية، فبعداً لشهوة دنيئة وقتها قصير ومنتهٍ في الحياة الدنيا، فهي لحظات تقضى فيها شهوة في الحرام، ودقائق معدودات، ويبقى على صاحبها النكد، وأي نكد؟ وكم زمانه؟ فرج يحترق، وجسم يتألم بلهب، فيسمع الصياح إلى أمد لا يعلمه إلا الله.
فجدير بكل عاقل أن يفكر في هذه اللذة الفانية، التي لا تستغرق إلا لحظات وثوانٍ ودقائق، ثم بعدها عذاب أليم مؤلم موجع لا يزول، قال تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان:٦٨ - ٧٠].
فانظر إلى الفرج المستمتع بالحرام كيف يعذب، وانظر إلى الفم آكل الربا، فقد رآه الرسول صلى الله عليه وسلم يسبح في نهر من دم، فيأتي متجهاً إلى الشاطئ وإذا برجل عند الشاطئ جمع أحجاراً كلما اقترب هذا السابح من الشاطئ فتح فمه فألقمه حجراً بقوة في فمه، فيرجع ثانية إلى وسط نهر الدم، ويُفعل به هكذا دائماً وأبداً إلى أن يشاء الله، فهذا الفم الذي طعم الربا من اللائق به أن يسبح في أنهار من دم، فيمتلئ دماً ويلقم أحجاراً، وهكذا مصير أكلة الربا.
ورأى النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً في هذه الرؤيا الطويلة الكذابين على الله وعلى رسله وعلى أهل الإيمان، الذين يكذبون الكذبة فتنتقل في الآفاق، كالمذيعين الكذابين والصحفيين الكذابين الذين ينتشر كذبهم، فرأى النبي عليه الصلاة والسلام كلوباً من حديد يوضع في فم الكذاب فيشرشر الفم إلى القفا، والأنف إلى القفا، ثم يتجه إلى الجانب الآخر فيُفعل به هكذا، فهؤلاء الذين يكذبون الكذبة تبلغ الآفاق.
فجدير بكم أن تطهروا جوارحكم -معشر الإخوة- من كل معصية لله، ومن كل معصية لرسول الله عليه الصلاة والسلام.
وباب الرؤى باب واسع وعريض وله فقه، ومن أراد التعبير فعليه الإلمام بأكبر قدر من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم معرفة أحوال الذين رأوا الرؤى، فيختلف تعبير الرؤى باختلاف من رآها، فقد تأول على وجه حسن إذا كان الشخص صالحاً، وقد تأول على غير ذلك بحسب حال الشخص.