وبعد: فمن الحقوق التي ضيعت -يا عباد الله- حق الجار، فحق الجار قد ضاع عند كثير من الناس؛ بل عند كثير ممن يرتدون ثياب الصلاح، ضاعت عندهم حقوق الجار، ولا يخفى على هؤلاء أن رب العزة أوصى بالجار، وأوصى جبريل بالجار، وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجار، قال الله سبحانه:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى}[النساء:٣٦] أي: الجار القريب، {وَالْجَارِ الْجُنُبِ}[النساء:٣٦] أي: الجار الذي لا تربطك به قرابة، أي: أحسنوا -يا عباد الله- إلى الجار ذي القربى، وإلى الجار الجنب الذي ليس بقريب، أحسنوا إليهما معاً، وقال الرسول عليه الصلاة والسلام مبيناً وصية جبريل بالجار:(ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) أي: سيكتب له نصيباً من الميراث كنصيب الأم، أو نصيب الأخ، أو نصيب الأخت، أو غير ذلك.
وقال عليه الصلاة والسلام حاثاً للأمة على ذلك:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره)، وفي رواية:(فليكرم جاره)، وقال عليه الصلاة والسلام:(لا يمنعنّ جار جاره أن يغرز خشبة في جداره) هكذا علمنا رسول الله.
وحذر النبي أشد التحذير من خيانة الجار، وعدم الإحسان إليه، قال عليه الصلاة والسلام:(والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن) يقسم النبي ثلاثة أيمان بالله أنه لا يؤمن، (قيل: من يا رسول الله؟)، من هو هذا الذي أقسمت ثلاثة أيمان أنه لا يؤمن؟ قال:(من لا يأمن جاره بوائقه).
وعدَّ النبي عليه الصلاة والسلام خيانة الجار في أهله من أكبر الذنب، ومن أعظم الذنب، سئل النبي عليه الصلاة والسلام:(أي الذنب أعظم يا رسول الله؟! قال: الإشراك بالله، قيل: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قيل: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك)، فخيانتك للجار في أهله من أعظم الذنب، وترصدك وتجسسك على جارك من أكبر الحرمات.