انظروا إلى من حولكم من أهل البلاء، وتفكروا في أحوالهم، ولا تنسوا شكر نعم الله عليكم، ولا تنسوا مواسات إخوانكم الذين ابتلاهم الله سبحانه، أمدكم الله بنعمة الأمن في بيوتكم، ونعمة المطعم والمشرب، ولكن ثَم مسلمون في أنحاء العالم وبقاع الأرض مشتتون ومشردون ليس لهم مأوى يأوون إليه، فعليك أن تحمد الله إذا آويت إلى فراشك عند نومك، وتقول ما علمك نبيك محمد عليه الصلاة والسلام مستشعراً نعمة الله عليك:(الحمد لله الذي كفانا وآوانا)، حقاً كم ممن لا كافي له ولا مؤوي؟ إخوانكم في بلاد العالم من المسلمين يشردون ويشتتون ويفارقون الأهل والديار والأموال والأولاد، يتركون كل ذلك فراراً بدينهم، وفراراً بأنفسهم من أعداء الله سبحانه، وأنتم تطالعون ذلك في الصحف، فإخوانكم في بلاد كوسوفا يشتتون ويشردون ويطردون، تاركين الأهل والأولاد والأثاث والمتاع فراراً بدينهم ثم فراراً بأنفسهم من العدو النصراني الصليبي الحاقد، يشتتون أيما تشتيت، وتبقر بطون النساء، ويذبح الأولاد، كالذي كان يصنع على عهد فرعون الأثيم، وآخر شيء وصلني في نشرة من إخواننا هنالك: رجل وزوجته وابنته التي تدرس هنالك، قتل زوجها وهي تبلغ من العمر ثمانية وعشرين عاماً وهي حامل، فجاء هؤلاء الكفرة الصرب الظالمون إلى هذا البيت، وأمروهم بالخروج منه، وقالوا: بعد أن تدفعوا عن كل رأس منكم مائة -من عملتهم- فدفعوا عن كل شخص منهم مائة، فقالوا: وأين مائة الجنين؟ فقالوا: هذه المائة للجنين، فقالوا: إننا نأخذ على الذكر مائة وعلى الأنثى مائتين، فقالوا: هذه المائة التي معنا لكونه ذكراً إن شاء الله، فقالوا لرب البيت: إن لم يكن ذكراً شنقت، وفعلاً أتوا بالمشنقة، ووضعوا رقبته فيها، والكرسي تحت رجليه، فقالوا: غاية ما نفعل بك إذا كنت كاذباً أن نسحب الكرسي من تحت رجليك! وجاءوا إلى المرأة الحامل وبقروا بطنها وهي حية بلا رحمة ولا شفقة، فاستخرجوا المولود فكان ذكراً، ففكوا المشنقة من عنق الرجل، وذبحوا المولود، وتركوا الوالدة ينزف دمها حتى ماتت! هذه أفعال بشعة تفعل بإخوانكم من أهل الإسلام.
فضلاً عن إخراجهم من ديارهم وهم مئات الألوف، فاحمدوا الله الذي أطعمكم من جوع، والذي آمنكم من خوف، وهذه النعمة لا يستشعرها الناس إلا إذا سلبت منهم، استعيذوا بالله من قهر الرجال، فأي قهر لرجل يذبح ولده بين يديه؟ أي قهر يحدث لك أن ترى رجلاً يفعل بامرأتك الفاحشة؟ يهتك عرض ابنتك أمام عينيك، ورأسك يداس بالأقدام وبالنعال، أي قهر للرجال أشد من هذا القهر يا عباد الله؟! فاحمدوا الله على نعمة الأمن التي تعتبر ابتلاء من الله، وشاركوا إخوانكم الذين ابتلاهم الله بمثل هذه البلايا بالدعاء، أو بالمال، فشاركوا إخوانكم بشيء من التبرعات بكفالة يتيم هنالك، أو سد جوع جائع هنالك، أو كسوة عارٍ، حتى يزكي الله قلبك ومالك، وتستشعر أنك تشارك إخوانك ولو بالشيء اليسير، استشعاراً لإخوة الإسلام التي تربطك بهؤلاء الأعاجم، لا يربطك بهم نسب، ولا يربطك بهم حسب، بل ولا تربطك بهم لغة، فلغتهم غير لغتك، ليس بينك وبينهم إلا أخوة الدين والإسلام.
يا عباد الله! استشعروا برباط الإسلام الذي يربطكم بإخوانكم، فليتبرع لهم متبرع ولو بعشرة قروش، فإن النبي قال:(اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة)، وأمكم عائشة رضي الله عنها جاءتها امرأة معها ابنتان تسألها، فدخلت عائشة رضي الله عنها إلى البيت فما وجدت شيئاً غير تمرة، فأخرجتها وسلمتها للمرأة، فشقتها المرأة بين ابنتيها نصفين، فأخبرت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال عليه الصلاة والسلام:(من ابتلي بشيء من هذه البنات فصبر عليهن، كن له ستراً من النار يوم القيامة)، فيا معشر الإخوة عليكم بالدعاء لإخوانكم، وعليكم بالتبرع لإخوانكم، والحمد لله على كل حال.
اللهم! انصر الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم! أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم! خذ بأيدينا ونواصينا إلى البر والتقوى، اللهم! عليك بالصرب الظالمين وبكل باغٍ معتد أثيم يارب العالمين، اللهم! انصر الإسلام والمسلمين، وأيدهم بنصرك وبتأييدك يا سميع الدعاء يا مجيب السائلين، وكلل اللهم مساعينا جميعاً بالتوفيق، وتقبلها بقبول حسن, واجمعنا جميعاً مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى جناتك، جنات الخلد التي أعدت للمتقين.