قال الله تعالى:{فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}[البقرة:١٩٧]{وَتَزَوَّدُوا} أمرنا الله في هذه الآية الكريمة بزاد من زاد الدنيا وهو الطعام والشراب، وسبب نزول هذه الآية أن أهل اليمن كانوا يحجون ولا يتزودون ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة والمدينة سألوا الناس، ومدوا أيديهم للناس! فقال الله سبحانه:{وَتَزَوَّدُوا} أي: بالطعام وبالشراب، ثم أرشدنا الله إلى زاد آخر هو أعظم ألا وهو زاد التقوى، فقال تعالى:{فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} أي: تزودوا بالزادين معاً: زاد الحياة الدنيا وهو الطعام والشراب، وزاد الآخرة وهو زاد التقوى، ولهذا نظائر متعددة في كتاب الله، قال تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا}[الأعراف:٢٦]، وهو الثياب الذي نتزين به، ثم قال تعالى مرشداً إلى لباس آخر هو أهم وأعظم:{وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}[الأعراف:٢٦]، أي: كما أنكم تكتسون بثياب وزينة من الثياب الظاهرة التي تستر الأبدان، فكذلك فلتكتسوا بلباس التقوى فإن لباس التقوى خير، وكما قال الله سبحانه وتعالى لداود عليه السلام:{أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ}[سبأ:١١] اعمل الدروع التي تستتر بها عن الكفار وعن سهامهم {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} أتقن صنعتك في نسج الدروع، ثم قال الله له:{وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[سبأ:١١]، فهي إشارات لكل عامل مجتهد في دنياه أن يجتهد كذلك في عمل الآخرة، قال تعالى:{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}[البقرة:١٩٧] أي: خافوني، وخافوا عقابي، واحذورا عقابي، واحذروا نقمتي، واحذروا بأسي، واحذروا غضبي {يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}: يا أصحاب العقول! فيا أصحاب العقول! لا تغتروا بعقولكم ولا بكبير أعمالكم إنما اتقوا الله ربكم، واحذروا بأسه، واحذروا غضبه.