للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سجود إخوة يوسف ليوسف]

إن يوسف عليه السلام لم يضع إخوته بل استقبلهم قائلاً فرحاً بقدومهم: {وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف:٩٩] {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} ولم يقنع بهذا بل رفع أبويه على العرش على سرير الملك ولم يجلسهم أدنى منه بل رفع أبويه على العرش {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} سجود تحية، وكان السجود جائز في شرائع من كان قبلنا ثم نسخ في شريعتنا لقوله عليه السلام: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها) {وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} أي: قد تتحقق تأويل الرؤيا بعد عشرات السنين، فلا يلزم أن تتحقق في ذات الوقت، بل قد تتحقق بعد عشرات السنين، {يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي} وكما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً) والأنبياء رؤياهم وحي عند كثير من أهل العلم.

قال تعالى: {قَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف:١٠٠] لماذا لم يقل يوسف عليه السلام: وقد أحسن بي إذا أخرجني من غيابة الجب؟ يقول المفسرون: لأنه وعد إخوته عن قريب.

فقال لهم: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ} [يوسف:٩٢] أي: لن أعيركم ولن أوبخكم أبداً، ولن أكدر خواطركم بحال من الأحوال، فمن ثم إذا ذكر البئر سيذكرهم بالمآسي التي صنعوها في حقه، فأعرض عن ذكر البئر وما حدث له منه تماماً، بل قال: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} فالسجن يجمع السكير والعربيد، واللص والقاتل، وأضراب هؤلاء.

قال: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} ثم حمل الشيطان الجريمة كلها، فالشيطان لها أهل، فلم يقل: من بعد أن ظلمني إخوتي، بل قال: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} فكل شيء عنده بمقدار، فهو الذي يقدر، وهو الذي يعلم النوايا والخفايا {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}.