للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم المحصر]

وقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة:١٩٦] أي: إن منعتم من إتمام الحج والعمرة {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:١٩٦]، ومحل ذلك إذا لم تشترط، فإذا اشترطت عند إحرامك من الميقات قائلاً: اللهم! محلي حيث حبستني، أي: أتحلل -يا رب- في المكان الذي أمنع فيه، فحينئذ إذا اشترطت هذا عند الحج فليس عليك دم إذا أنت منعت من أداء الحج، أما إذا لم تشترط عند إهلالك بالحج، ومنعك عدو، أو منعت لفقدان جواز سفرك، أو منعت لكسر حل بك، أو منعت لمرض نزل بك، فعليك إذا لم تشترط هدي، وأقله شاة عند كثير من أهل العلم، {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:١٩٦] يعني ربنا سبحانه: إذا منعت -أيها الحاج- من إتمام الحج بعلة من العلل، ولم تكن قد اشترطت؛ فاذبح ما استيسر من الهدي -وأقله شاة- قبل أن تتحل من إحرامك، ولكن أين محل هذا الهدي الذي قال الله فيه: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:١٩٦]؟ فما فمحل هذا الهدي الذي ينبغي أن يتحلل فيه المحرم؟ مثلاً: إذا أنت خرجت مهلاً بالحج من أي ميقات من المواقيت، من أبيار علي، أو من ذي الحليفة، أو من رابغ التي هي ميقات لأهل مصر، ثم بعد أن تجاوزت الميقات وأهللت منعت لأي عارض؛ حينئذ تذبح هدياً، ولكن أين محل هذا الهدي الذي ينبغي أن يتحلل فيه المحرم؟ يقول فريق من أهل العلم: لابد أن يرسل هذا الهدي إلى مكة ويذبح هنالك، وتبقى في إحرامك حتى يصل هديك إلى مكة، فإذا تيقنت أنه قد ذبح فحينئذ تحل من إحرامك؛ لأن الله يقول: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إلى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:٣٣] هذا قول.

لكن جماهير العلماء أنك تتحلل حيث حبست، وتذبح حيث حبست؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام خرج عام الحديبية فصده المشركون عن بيت الله الحرام عند الحديبية، فكان النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه عند الحديبية خارج الحرم، في منطقة يقال لها: الشميسي، فتحلل النبي هناك ونحر هديه هنالك، ولم يكن ذلك داخل الحرم، فهذا هو الذي قوى وجهة نظر الجمهور القائلين بأن الشخص إذا منع من الحج يتحلل حيث منع، ويذبح حيث منع، ويتأكد هذا ويتأيد بأنه لا يستطاع في كثير من الأحيان بالنسبة للذي أحصر أن يرسل هدياً إلى مكة، قد لا يستطاع في كثير من الأحيان ذلك، فليتحلل حيث منع وحيث حبس.