[التضرع إلى الله والدعاء بصلاح الذرية]
أيها الأحبة: ابتداءً فليعلم أن الهادي هو الله سبحانه وتعالى، وهذا شيء مقرر ومسلّم به، قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة:١٣]، وقال الله سبحانه: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [يونس:١٠٠]، وقال سبحانه: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [النحل:٩٣]، فأمر الهداية بالدرجة الأولى موكول إلى الله سبحانه وتعالى، والشقاوة أو السعادة مكتوبة على العبد وهو في بطن أمه، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود وغيره: (إن الملك يأتي فيؤمر بأربع: بكتب أجله، ورزقه، وعمله، وشقي أو سعيد)، كل ذلك مقدر على العبد وهو في بطن أمه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الغلام الذي قتله الخضر طُبع كافراً)، فيجب أن يعلم أن المهتدي هو من هداه الله سبحانه وتعالى.
ويجب علينا أن نتجه إلى ربنا سبحانه وتعالى نسأله إصلاح الذرية، كما هو حال أهل الإيمان، فهم دائماً يقولون: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:٧٤] وقرة الأعين: ما تستقر به العين فلا تنظر إلى غيره.
مثال ذلك: لو أن عندك زوجة دميمة فإنك كلما رأيت امرأة حسناء اتجه نظرك إليها، بخلاف ما لو كانت زوجتك أحسن النساء ما امتد بصرك إلى غيرها، وكذلك لو كان ولدك أعقل الأولاد وأهدأ الأولاد ما امتد بصرك إلى غيره، ولذلك كان أهل الإيمان يقولون: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان:٧٤] أي: ما تستقر به الأعين {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:٧٤].
وذكر الله سبحانه وتعالى حال هذا الرجل الذي بلغ أشده وبلغ أربعين سنة فقال: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف:١٥] فدعا ربه أن يصلح له ذريته.
وهكذا أيضاً إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم، يقول: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:٣٧]، ويطلب زكريا عليه الصلاة والسلام نحواً من هذا فيقول: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم:٥ - ٦]، ويقول: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران:٣٨].
فالصلاح والهدى في الأصل من الله سبحانه وتعالى.
وهذا يوسف صلى الله عليه وسلم تربى في بيوت الملوك من أهل الكفر، ثم أخذ وألقي به في السجن مع طائفة من المجرمين الخمارين، والسرق واللصوص، ومع ذلك كله حفظه الله سبحانه وتعالى، حفظه وهو غلام وسيم أوتي شطر الحسن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أوتي يوسف صلى الله عليه وسلم شطر الحسن) -أي: نصف جمال الكون- ومع ذلك حفظه الله سبحانه، فلم تمتد إليه يد عابث وتناله بشيء من السوء.
وهذا الغلام صاحب قصة أصحاب الأخدود أبواه كافران، ولم يذكر عنهما الإيمان، وأرسل كي يتعلم السحر، فمن الذي هداه إلى الراهب كي يتعلم منه الإيمان ويكون من أمره ما كان؟! إنه الله سبحانه وتعالى.
فجديرٌ بنا أن نتوجه بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى، ونبتهل إليه كي يصلح لنا الذريات، فهذا شأن أهل الإيمان، فهم دائماً يطلبون من الله سبحانه وتعالى أن يصلح لهم النية والذرية، فإن المؤمن مهما أوتي من براعة وطاعة لله وفنٍ للدعوة إلى الله فأمر الهداية ليس إليه، فهذا نوح عليه الصلاة والسلام ينادي ولده {يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} [هود:٤٢] فيقول الولد الشقي: {سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود:٤٣] ولم تجد دعوة نوح صلى الله عليه وسلم مع ولده.
فجديرٌ بنا أن نكثر من الدعاء لصلاح الذريات، وبعد ذلك كل ما سيأتي إنما هو من باب الأسباب والمسببات.