قال الله:{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ}[يوسف:٨٨] وهذه الآية تبين لنا أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرى، وأن الله يرفع المظلوم ويخفض الظالم، {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} أي: ذل وانكسار والانكسار، {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} أي: قليلة لا تصلح لشيء، فنحن فقراء مسنا وأهلنا الضر، وأبونا أصابه العمى، ومسنا نحن الضر في الأبدان والقلة في الزاد.
قال تعالى:{وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} هكذا يتسول الظالمون أخاهم الذي قد ظلموه {أَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} فحينئذ لا يرضى لهم يوسف أن يصلوا إلى أشد من ذلك فيقول لهم كما قد أخبره الله سبحانه وهو يلقى في غيابه الجب عندما كان يتعلق بصدر هذا فيضربه، ويأتي ويستغيث بذلك فيلطمه، يقول الله جابراً لخاطره آنذاك:{لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}[يوسف:١٥] فهاهو هذا يتحقق فيقول يوسف: {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ}[يوسف:٨٩] فتكون المفاجأة ((قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ)) فيقول بأدب جم: ((قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي)) أنا يوسف لم يقل مقولة المفتخر المتباهي: أنا العزيز يوسف، ولا أنا الملك يوسف، ولا أن الرئيس يوسف، إنما بأدب نتعلمه ((أَنَا يُوسُفُ)) {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} وكذا سليمان قال: [النمل:٣٠] وكذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (من محمد عبد الله ورسوله) وهكذا نتعلم الأدب من كتاب الله.
قال عليه الصلاة والسلام (ثلاث أقسم بالله عليهن: وذكر: ما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله).
{قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}[يوسف:٩٠] ثم يذكر بفضل الله أي: فالفضل الذي فيه ليس من كسبي ولا من كدي إنما هو من فضل الله، {قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}[يوسف:٩٠ - ٩٢].
قال عليه السلام مقولة تعلمنا الأدب:{لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ} أي: لا تعيير ولا توبيخ مني أبداً عليكم بعد اليوم {يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} وهكذا الأدب في العفو {يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}[يوسف:٩٢ - ٩٣] نقول نحن أهل الإسلام: إن الله على كل شيء قدير.
وقد أورد الذهبي في سير أعلام النبلاء ما يفيد أن النبي عليه الصلاة والسلام أوتي من جنس هذه المعجزة، فدخل أحد أحفاد أبي قتادة على عمر بن عبد العزيز رحمه الله فقال له: من أنت؟ قال: أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فردت بكف المصطفى أجمل الرد فعادت كما كانت لأول وهلة فيا حسن ما عين ويا حسن ما رد قال الله: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ}[يوسف:٩٤] أما قوله تعالى ((فَصَلَتِ)) أي: خرجت وفارقت بلاد مصر، ومنه قوله تعالى:{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ}[البقرة:٢٤٩].
قال تعالى:{وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ} أي: تفندون قولي وتتهمونني بالتخريف، كيف وجد ريح يوسف صلى الله عليه وسلم؟ نقول نحن أهل الإسلام: إن الله على كل شي قدير، ومن جنس هذه المعجزة معجزات حدثت لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه بموت النجاشي في اليوم الذي مات فيه، ولم يكن ثَم هواتف، والرسول صلى الله عليه وسلم كذلك أخبر أصحابه بمقتل الثلاثة: زيد بن حارثة وجعفر وابن رواحة في اليوم الذي قتلوا فيه، وكذلك بعض أصحاب نبينا حصلت لهم ببركة اتباعهم للنبي محمد عليه الصلاة والسلام كرامات من هذا الجنس، فإن من العلماء من حسن القصة التي فيها أن عمر رضي الله تعالى عنه كان يخطب في مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكان قد أرسل رجلاً أميراً على سرية من السراري يقال له: سارية، فخرج سارية مع أصحابه في غزوة من الغزوات في دولة أخرى وعمر في المدينة يخطب الجمعة وسارية يبارز الأعداء ويناجزهم فإذا بـ عمر يتحول في خطبته منادياً وقائلاً: يا سارية! الجبل الجبل يا سارية! الجبل الجبل، وسارية يسمع هذه المقالة من هذا البعد البعيد، فيلتزم الجبل هو وأصحابه فيفتح الله سبحانه وتعالى عليهم وينصرهم، وأصحاب عمر في المسجد يقولون: ما الذي حدث لأمير المؤمنين؟ أين سارية؟ وكيف يتكلم عمر؟ ولكن الله على كل شيء قدير سبحانه، فجاء سارية ومن معه وأخبروا أهل المدينة أنهم سمعوا صوت أمير المؤمنين عمر وكان سبباً في نصرهم.