قال تعالى:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة:٦](اهدنا) من الهداية ومن الهدية، ومدار النعمة فيها على الإمالة، ومنه أطلق على الهدية هدية؛ لأنها تمال من مال شخص إلى مال شخص آخر، أو تمال من سقف إلى سقف آخر، ومنه:(خرج النبي صلى الله عليه وسلم يتهادى بين رجلين) أي: يتمايل بين رجلين صلى الله عليه وسلم.
فقوله تعالى:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة:٦] أي: مل بقلوبنا إلى الصراط المستقيم، ومنه قوله تعالى:{إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ}[الأعراف:١٥٦]، أي: ملنا بقلوبنا إليك.
والهداية تنقسم إلى قسمين، وكلاهما مراد هاهنا: ١ - هداية دلالة، كما قال تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى:٥٢].
٢ - هداية توفيق، ومنها قوله تعالى:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}[القصص:٥٦] أي: لا توفق من أحببت.
فطلبنا هنا للهداية بقسميها: أن يوجهنا للخير، وأن يميل بقلوبنا إليه، ويوفقنا للعمل به.
وفي الآية الكريمة رد على القدرية الذين يزعمون أن لا قدر وأن الإنسان هو الذي يختار لنفسه ما شاء! فنقول لهم: إذا كان الإنسان يختار لنفسه ما شاء، فلماذا تقولون في كل صلاة:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة:٦]؟ ولماذا قال أهل الإيمان:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}[الأعراف:٤٣]؟ ولماذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا؟ فلنسأل الله الهداية.